تمهيد
الكتاب الأول: الإنسان في القرآن
المخلوق المسئول
الكائن المكلف
روح وجسد
النفس
الأمانة
التكليف والحرية
أسرة واحدة
آدم
অজানা পৃষ্ঠা
الكتاب الثاني: الإنسان في مذاهب العلم والفكر
عمر الإنسان
الإنسان ومذهب التطور
التطور قبل مذهب التطور
أثر مذهب النشوء في الغرب
مذهب التطور في الشرق العربي
الدين ومذهب دارون
سلسلة الخلق العظمى
الإنسان في علم الحيوان وفي علوم الأجناس البشرية
الإنسان في علوم النفس والأخلاق
অজানা পৃষ্ঠা
مستقبل الإنسان في علوم الأحياء
عود على بدء
تمهيد
الكتاب الأول: الإنسان في القرآن
المخلوق المسئول
الكائن المكلف
روح وجسد
النفس
الأمانة
التكليف والحرية
অজানা পৃষ্ঠা
أسرة واحدة
آدم
الكتاب الثاني: الإنسان في مذاهب العلم والفكر
عمر الإنسان
الإنسان ومذهب التطور
التطور قبل مذهب التطور
أثر مذهب النشوء في الغرب
مذهب التطور في الشرق العربي
الدين ومذهب دارون
سلسلة الخلق العظمى
অজানা পৃষ্ঠা
الإنسان في علم الحيوان وفي علوم الأجناس البشرية
الإنسان في علوم النفس والأخلاق
مستقبل الإنسان في علوم الأحياء
عود على بدء
الإنسان في القرآن
الإنسان في القرآن
تأليف
عباس محمود العقاد
تمهيد
إنسان القرآن هو إنسان القرن العشرين، ولعل مكانه في هذا القرن أوفق وأوثق من أمكنته في كثير من القرون الماضية؛ لأن القرون الماضية لم تلجئ الإنسان إلى البحث عن مكانه في الوجود كله، وعن مكانه بين الخلائق الحية على هذه الأرض، وبين أبناء نوعه وأبناء الجماعة التي يعيش فيها من ذلك النوع، وبين كل نسبة ظاهرة أو خفية ينتمي إليها، كما ألجأه إلى ذلك كله هذا القرن العشرون.
অজানা পৃষ্ঠা
قديما كان الحكماء يجعلون شعارهم في نصيحة الإنسان: «اعرف نفسك!» وإنها لنصيحة قد ترادف سؤالهم: من أنت؟ أو سؤالهم: ما اسمك؟ غير أن الإنسان إذا أجابه فإنما يجيبه باسم «باطني» يعرفه بملامح وجدانه، وقسمات ضميره، ولا يقف عند تعريفه بالاسم الذي يختار اعتسافا من بضعة حروف.
وهو على أية حال سؤال إلى «شخص» بعد شخص، قد يسمعه عشرون في الحجرة الواحدة ويجيبون عليه عشرين جوابا متفرقات.
وقديما كانوا يزعمون أن أبا الهول كان يلقي سؤاله، فيهلك من لم يعرف جوابه. وكان سؤالا عن الحيوان الذي يمشي على أربع في الصباح، وعلى اثنتين عند الظهيرة، وعلى ثلاث عند المساء، فكان سؤالهم لغزا من ألغاز الأقدمين عن الإنسان في أطوار عمره، بين الطفل الذي يحبو على أربع، والفتى الذي يعتدل على قدمين، والشيخ الذي يتحامل على عصاه. وهو لغز شبيه بطفولة الإنسان كله؛ لا تبتعد المسافة بين جهله وعلمه، ولا بين الهلاك فيه والنجاة.
إلا أن القرن العشرين جمع الأسئلة، فلم يدع سؤالا عن نسبة من نسب الإنسان لم يطلب جوابه، على نذير بالهلاك لمن جهل الجواب، وقد يكون هلاكا للجسد والروح.
ما مكان الإنسان من الكون كله؟
ما مكانه من هذه السيارة الأرضية بين خلائقها الأحياء؟
ما مكانه بين أبناء نوعه البشري؟ وما مكانه بين كل جماعة من هذا النوع الواحد، أو هذا النوع الذي يتألف من جملة أنواع يضمها عنوان «الإنسان»؟
وهي أسئلة لا جواب لها في غير «عقيدة دينية» تجمع للإنسان صفوة عرفانه بدنياه، وصفوة إيمانه بغيبها المجهول، تجمع له زبدة الثقة بعقله، وزبدة الثقة بالحياة؛ حياته وحياة سائر الأحياء والأكوان.
إن القرن العشرين كان حقيقا أن يسمى بعصر «الأيديولوجية»، أو عصر الحياة «على مبدأ وعقيدة»؛ لأنه كلما ألقى على الإنسان سؤالا من أسئلته تلك لم يعفه من جوابه، ولم يسلمه إلى جزاء أهون من جزاء الحيرة عند السكوت عليه؛ فإن يكن سكوتا عن الأجوبة جميعا؛ فهو الهلاك المحدق بالأبدان والعقول.
وليس أكثر من «المبادئ والعقائد» التي نسمع عنها في هذا القرن ويسمونها بالمذاهب و«الأيديولوجيات».
অজানা পৃষ্ঠা
ولكن أجوبة القرن العشرين، مهما يكن من شأنها، فهي أجوبة العصر الذي يحل المشكلة الزمنية ولا يتعداها إلى مشكلة الأبد: مشكلة ما مضى، وما أتى من الدهر، وما يأتي إلى غير نهاية، ولا جواب لهذه المشكلة غير العقيدة الدينية التي تؤمن بها الإنسانية، فلا يغني فيها إيمان فرد واحد بينه وبين ضميره، أو جواب سؤال واحد لمن يقول: من أنت؟ وماذا تعرف من نفسك بين عامة النفوس؟ قصاراك أنك واحد منها بين ألوف الألوف، عاشوا ويعيشون وسيعيشون، ولا يسكتون عن تلك الأسئلة عامة، ولا أمان لهم ولا لك إن سكتوا عليها.
هذه العقيدة الدينية توجد كما ينبغي أن توجد، وإنما الضلالة فيمن يريدها على غير سوائها الذي تستقيم عليه، ولا تستقيم على سواه.
هذه العقيدة الدينية لا توجد اليوم لتنبذ غدا، ولا توجد على الأيام للعارفين دون الجاهلين، وللعاملين دون الخاملين، ولمن يطلبون الخير للناس دون من يطلبون الخير لأنفسهم، ولمن يعتقدون دراية ومحبة دون من يعتقدون تسليما ورهبة، ولمن يسعون سعيهم إلى العلم والإيمان دون من يقعدون في مواطنهم منتظرين، وقد يقعدون وهم يجهلون أنهم قاعدون، ولا يعلمون ما الخبر وما المنتظر، إن علموا أنهم منتظرون!
هذه العقيدة بنية حية، قوامها دهور وأمم، ومعايش وآمال، ونفوس خلقت ونفوس لم تخلق، ونفوس يخلق لها تراثها قبل أن يصير إليها، وسبيلها جميعا أن تتهدى إلى قبلة واحدة: تنظر إليها فتمضي قدما، أو تفقدها في الأفق فهي أشلاء ممزقة، كأنها أشلاء الجسم المشدود بين مفارق الطريق.
إن القرن العشرين منذ مطلعه يعرض العقيدة بعد العقيدة على الإنسان وعلى الإنسانية، ولا نعلم أنه عرض عليها حتى اليوم قديما معادا، أو جديدا مبتدعا هو أوفق من عقيدة القرآن، وأوفق ما فيها أنها غنية عن الاختراع والامتحان، وأنها على شرط العقيدة الدينية من بنية حية شملت ملايين الخلق، وثبتت معهم وحدها في كل معترك زبون يوم خذلتهم كل قوة يعتصم بها الناس. •••
ونحن ندعي في هذه الصفحات أن المنصف بين النصائح لا يستطيع أن ينصح لأهل القرآن بعقيدة في الإنسان والإنسانية أصح وأصلح من عقيدتهم التي يستوحونها من كتابهم، وأن القرن العشرين سينتهي بما استحدث من مبادئ ومذاهب و«أيديولوجيات» ولا ينتهي ما تعلمه أهل القرآن من القرآن، وأن أهل هذا الكتاب يتدبرون القول فيتبعون أحسنه، إذا تدبروا فلم يأخذوا بعقيدة من هذه العقائد التي يروجها دعاتها باسم المادية، أو الفاشية، أو العقلية، ويريدون بها أن تكون على الزمن بديلا من العقائد الإلهية، ومن عقائد الغيب الذي يحسبونه معدوما، أو موجودا كمعدوم.
وقد استمع الناس إلى المادية التاريخية فقالت لهم: إن الإنسان عملة «اقتصادية» في سوق الصناعة والتجارة، تعلو وتهبط في طبقاتها بمعيار العرض والطلب، وصفقات الرواج والكساد. أما الإنسانية فقد أنصتت إلى المادية التاريخية فقالت لها: إنها شيء لا وجود له مع طوائفها التي تخلقها الأسعار والأجور.
واستمع الناس إلى الفاشية فقالت لهم: إن الإنسان واحد من عنصر سيد أو عنصر مسود، وإن أبناء الإنسانية جميعا عبيد للعنصر السيد، والعنصر السيد قبل ذلك عبد للسيد المختار، بغير اختيار.
واستمع الناس إلى «العقلية» فقال لهم قائل منها: إن «إنسانيتهم» كذلك شيء لا وجود له، ووهم من أوهام الأذهان، وإن الشيء الموجود حقا هو الفرد الواحد! وبرهان وجوده حقا أن يفعل ما استطاع من نفع أو أذى كلما أمن المغبة من سائر الأفراد والأحداث.
وغير جديد ما استمعوه من أهل العقائد الإلهية عن مكان هذا الإنسان من الأرض والسماء، ومكانه من إخوته في آدم وحواء.
অজানা পৃষ্ঠা
سمعوا أنه روح وجسد، ودنيا وآخرة، ينجو شطره بمقدار ما يهلك شطره، ويصح له الوجود بمقدار ما صح له من عقبى الفناء.
وسمعوا أنه إنسانان؛ إنسان صحيح مقبول، وإنسان زائف مدخول. صحيح مقبول كل من اجتباه مولاه على هواه، وزائف مدخول كل من خلقه ونفاه، ولعله لم يخلقه ودعاه إليه من دعاه.
وسمعوا أن الإنسان يولد بذنب غيره، ويموت بذنب غيره، ويبرأ من الذنب بكفارة غيره، ويمضي بين النعمة واللعنة بقدر من الأقدار لا نصيب له فيه من عصيان أو طاعة، ومن إباء أو اختيار.
وسمعوا من القرآن غير ذلك، فهم متدبرون يستمعون إلى العقل كما يستمعون إلى الإيمان إذا اطمأنوا وثبتوا على اطمئنانهم إليه.
الإنسان في عقيدة القرآن هو الخليقة المسئول بين جميع ما خلق الله، يدين بعقله فيما رأى وسمع، ويدين بوجدانه فيما طواه الغيب فلا تدركه الأبصار والأسماع.
و«الإنسانية» من أسلافها إلى أعقابها أسرة واحدة لها نسب واحد وإله واحد، أفضلها من عمل حسنا واتقى سيئا، وصدق النية فيما أحسنه واتقاه. •••
وفي الصفحات التالية كتابان في كتاب وجيز، نبدؤهما بعقيدة القرآن، فنعيد هذه الكلمات القلائل في صفحات، ونتلوها بعرض مفيد لتاريخ البحث عن نشأة الإنسان في مذاهب الفكر والعلم، أو مذاهب الحدس والخيال، ولا نزيد في سردها على الإلمام بما يصلح أن يكون محكا للنظر فيما يؤخذ بالبرهان، أو يؤخذ بالإيمان عن حقيقة الإنسان.
الكتاب الأول
الإنسان في القرآن
المخلوق المسئول
অজানা পৃষ্ঠা
ارتفع القرآن بالدين من عقائد الكهانة والوساطة وألغاز المحاريب إلى عقائد الرشد والهداية. لا جرم كان «المخلوق المسئول» صفوة جميع الصفات التي ذكرها القرآن عن الإنسان، إما خاصة بالتكليف أو عامة في معارض الحمد والذم من طباعه وفعاله.
ولقد ذكر الإنسان في القرآن بغاية الحمد وغاية الذم في الآيات المتعددة، وفي الآية الواحدة، فلا يعني ذلك أنه يحمد ويذم في آن واحد، وإنما معناه أنه أهل للكمال والنقص بما فطر عليه من استعداد لكل منهما؛ فهو أهل للخير والشر؛ لأنه أهل للتكاليف.
والإنسان مسئول عن عمله - فردا وجماعة - لا يؤخذ واحد بوزر واحد، ولا أمة بوزر أمة:
كل امرئ بما كسب رهين (الطور: 21).
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون (البقرة: 134). •••
أما مناط المسئولية في القرآن، فهو جامع لكل ركن من أركانها يتغلغل إليه فقه الباحثين عن حكمة التشريع الديني، أو التشريع في الموضوع.
فهي بنصوص الكتاب قائمة على أركانها المجملة: تبليغ، وعلم، وعمل؛ فلا تحق التبعة على أحد لم تبلغه الدعوة في مسائل الغيب ومسائل الإيمان:
ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون (يونس: 47).
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (فاطر: 24).
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (الإسراء: 15). •••
অজানা পৃষ্ঠা
أما العلم فإن أول آية في الكتاب تلقاها صاحب الدعوة الإسلامية كانت أمرا بالقراءة، وتنويها بعلم الله وعلم الإنسان:
اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم (العلق: 3-5).
وأول فاتح في خلق الإنسان كان فاتحة العلم الذي تعلمه آدم وامتاز به على سائر المخلوقات:
وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (البقرة: 31، 32). •••
وأما العمل فهو مشروط في القرآن بالتكليف الذي تسعه طاقة المكلف، وبالسعي الذي يسعاه لربه ولنفسه.
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (البقرة: 286).
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (النجم: 39).
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (الزلزلة: 7، 8).
ورسل البلاغ هم أول المكلفين بالعلم والعمل، أممهم جميعا أمة واحدة هي «الأمة الإنسانية»، وإلههم جميعا إله واحد هو رب العالمين:
يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم * وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون (المؤمنون: 51، 52).
অজানা পৃষ্ঠা
وفيما ذكر فيه الإنسان من آيات الكتاب وصف له وهو في الذروة من الكمال المقدور له بما استعد له من التكليف، ووصف له وهو في الدرك الأسفل من الحطة التي ينحدر إليها بهذا الاستعداد. وكل هذه الآيات توسع مفصل فيما ورد من نصوص الأمر والنهي، والعظة والتذكير، والثواب والعقاب.
فالإنسان أكرم الخلائق بهذا الاستعداد المتفرد بين خلائق السماء والأرض من ذي حياة أو غير ذي حياة:
ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (الإسراء: 70).
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (التين: 4).
سخر لكم ما في السماوات (لقمان: 20).
سخر لكم ما في الأرض (الحج: 65). •••
ولكنه ينفرد بين الخلائق بمساوئ لا يوصف بها غيره؛ لأن السيئة والحسنة - على السواء - لا يوصف بها مخلوق غير مسئول.
فهذا المخلوق المسئول يوصف دون غيره من الخلائق بالكفر والظلم والطغيان والخسران والفجور والكنود؛ لأنه دون غيره أهل للإيمان والعدل والرجحان والعفاف.
إن الإنسان لظلوم كفار (إبراهيم: 34).
إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى (العلق: 6، 7).
অজানা পৃষ্ঠা
إن الإنسان لفي خسر (العصر: 2).
بل يريد الإنسان ليفجر أمامه (القيامة: 5).
إن الإنسان لربه لكنود (العاديات: 6).
وقد يذكر بالضدين في الآية الواحدة كما جاء في قوله تعالى:
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين (التين: 4، 5).
ونقرأ في بعض التفاسير أن أسفل سافلين هو أرذل العمر، وهو يقتضي أن يكون «أحسن تقويم» هو تقويم الطفل الوليد.
ونقرأ في غيرها أن أسفل سافلين هي الجحيم، فيكون لزاما أن الجنة هي المقصودة بأحسن تقويم.
وفهم الكثيرون أن التقويم الحسن هو الصورة الظاهرة لاعتدال قوام الإنسان، وليس جمال الخلق وحده مرتبطا باعتدال القوام، بل ترتبط به القدرة على العمل والإرادة، وهي قدرة لم تخف علاقتها بصورته الظاهرة قبل عصر التشريح والعلم بوظائف الأعضاء، الذي أثبت العلاقة الضرورية بين اعتدال القامة وجهاز النطق في الرأس والعنق وعمود الظهر وسائر البدن، ثم زاد الناس علما بما يعنيه التقويم الحسن من فضائل العقل والجسد، ومن مزايا الفطنة والجمال.
وإنما المعنى الموافق لسائر معاني الآيات، أن الجمع بين النقيضين في الإنسان ينصرف إلى وصف واحد، وهو وصف الاستعداد الذي يجعله أهلا للترقي إلى أحسن تقويم، وأهلا للتدهور إلى أسفل سافلين.
على أن الآيات التي قصر فيها القول على خلق جسد الإنسان لم تخل مما يوحي إلى المخلوق المسئول أن أطوار خلقه السوي إعداد لما هو أشرف من حياته الحيوانية، وبرهان من براهين التبليغ برسالة الغيب، عسى أن ينظر في الخلق فيرى فيه آثار الخالق الذي لا تدركه الأبصار والأسماع:
অজানা পৃষ্ঠা
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (المؤمنون: 12-14).
ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم * الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه (السجدة: 6-9).
ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون (الروم: 20).
سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون (يس: 36).
ولا يسأل الإنسان عما يجهل، ولكنه يسأل عما علم، وعما وسعه أن يعلم، وما من شيء في عالم الغيب أو عالم الشهادة هو محجوب كله من علم الإنسان، فما وسعه من علم فهو محاسب عليه.
الكائن المكلف
القرآن كتاب تبليغ وإقناع وتبيين، وقوام هذه الفضيلة فيه هذا التوافق التام بين أركانه وأحكامه، وبين عقائده وعباداته، وبين حجته ومقصده، فكل ركن من أركانه يتنزل فيه بأقداره، ويوافق في تفصيله سائر أركانه التي تتم به، أو يتم بها على قدر مبين.
ليس أتم ولا أعجب من التوافق بين تمييز الإنسان بالتكليف، وبين خطاب العقل في هذا الكتاب المبين بكل وصف من أوصاف العقل، وكل وظيفة من وظائفه في الحياة الإنسانية.
وخليق بالمسلم، وبكل دارس للأديان أن يتنبه إلى هذه الفضيلة التي تحسب لأول وهلة كأنها شيء من الواقع البديهي لا يحتاج إلى التنبيه، ولكن حاجته إلى التنبيه إنما تظهر عند المقارنة بين القرآن وبين جملة من الكتب الدينية الكبرى، في فضيلة التبليغ المقصود، ونعني به التبليغ الذي يراد ويتناسب فيه البيان على حسب الأحكام والأركان.
في كثير من الأديان تقوم عليها دعائم الدين كله، ويرتبط بها نجاة الإنسان من الهلاك أو ضياعه في هاوية المقت واللعنة، ثم تبحث عن هذه الأركان في كتاب الدين فإذا هي معروضة فيه بين السطور، يحيلها المفسرون إلى حكم القرينة، ويجوز لمن شاء أن يحسبها من مصادفات القول يتساوى السكوت عنها والنص عليها.
অজানা পৃষ্ঠা
مثل هذا لا يعرف في حكم من أحكام الكتاب المبين، ولا في ركن من أركانه، بل المعروف فيه على نقيض ذلك: أن تبليغه على قدر فريضته، وأن التوافق فيه على أتمه بين الأركان التي تتلازم وتتكامل عن بيان مقدور لا محل فيه لفرض المصادفة، بل لا محل فيه لتجاهل القصد مع رسالة من رسالات التبليغ.
مكان الإنسان في القرآن الكريم هو أشرف مكان له في ميزان العقيدة، وفي ميزان الفكر، وفي ميزان الخليقة الذي توزن به طبائع الكائن بين عامة الكائنات.
هو الكائن المكلف.
هو كائن أصوب في التعريف من قول القائلين «الكائن الناطق »، وأشرف في التقدير.
هو كائن أصوب في التعريف من الملك الهابط، ومن الحيوان الصاعد، وأشرف في التقدير من هذا وذاك.
ليس الكائن الناطق بشيء إن لم يكن هذا النطق أهلا لأمانة التكليف، وليس الملك الهابط منزلة تهدي إلى طريق الصعود أو طريق الهبوط، وليس الحيوان الصاعد بمنزلة الفصل بين ما كان عليه وما صار إليه، ولا بمنزلة التمييز بين حال وحال في طريق الارتقاء.
إنما الكائن المكلف شيء محدود بين الخلائق بكل حد من حدود العقيدة، أو العلم، أو الحكمة، وحادث من حوادث الفتح في الخليقة موضوع في موضعه المكين بالقياس إلى كل ما عداه.
أي شيء أعجب من هذه الخاصة المحكمة ينفرد بها القرآن بين تعريفات الفلسفة وتعريفات الدعوة الدينية؟!
إنها عجيبة لا يدفع عجبها إلا أن تجري على سنتها من تبليغ الكتاب المبين.
إنها عجيبة لم تأت من مصادفات التضمين والتخمين؛ لأن الكتاب الذي ميز الإنسان بخاصة التكليف هو الكتاب الذي امتلأ بخطاب «العقل» بكل ملكة من ملكاته، وكل وظيفة عرفها له العقلاء والمتعقلون، قبل أن يصبح العقل «درسا» يتقصاه الدارسون كنها وعملا، وأثرا في داخله وفيما خرج عنه، وفيما يصدر منه وما يئول إليه.
অজানা পৃষ্ঠা
العقل وازع «يعقل» صاحبه عما يأباه له التكليف.
العقل فهم وفكر يتقلب في وجوه الأشياء وفي بواطن الأمور.
العقل رشد يميز بين الهداية والضلال.
العقل روية وتدبير.
العقل بصيرة تنفذ وراء الأبصار.
والعقل ذكرى تأخذ من الماضي للحاضر، وتجمع العبرة مما كان لما يكون، وتحفظ وتعي وتبدئ وتعيد.
والعقل بكل هذه المعاني موصول بكل حجة من حجج التكليف، وكل أمر بمعروف، وكل نهي عن محظور.
أفلا يعقلون؟ أفلا يتفكرون؟ أفلا يبصرون؟ أفلا يتدبرون؟ أليس منكم رجل رشيد؟ أفلا تتذكرون؟
إن هذا العقل بكل عمل من أعماله التي يناط بها التكليف حجة على المكلفين فيما يعنيهم من أمر الأرض والسماء، ومن أمر أنفسهم، ومن أمر خالقهم، وخالق الأرض والسماء؛ لأنهم:
يتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا (آل عمران: 191).
অজানা পৃষ্ঠা
أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى (الروم: 8).
وقد ننقل تكاليف القرآن جميعا، وننقل عظاته جميعا إذا أردنا الشواهد على هذا التوافق الموصول بين تمييز الإنسان بالتكليف في القرآن، وبين خطابه للعقل والفكر، وتذكيره بالرشد والبصر وسائر ملكات التمييز في مصطلحات الأوائل والأواخر، ولكنها شواهد حاضرة في ذهن كل قارئ لهذا الكتاب، وكل قادر على المقابلة بينه وبين غيره من كتب الأديان، ولو لم يعبر منها غير صفحات معدودات.
ومن تمام التوافق بين أركان التبليغ في هذا الكتاب أن الأمر فيه يجري على هذه السنة فيما أتى به فريدا غير مسبوق عن رسالة النبوة.
إنها الرسالة التي لم تعرف قط في التاريخ البشري قبل تمييز الإنسان بخاصة التكليف، وإعداده لخطاب العقل وبينات الإقناع.
كانت الأمم - قبل البعثة المحمدية - تفهم أن النبوة استطلاع للغيب، وكشف للأسرار والمخبآت، يستعان بها على رد الضائع، وإعادة المسروق أو الدلالة عليه، ويستخبرونها عن طوالع الخير والشر، ومقادير السعود والنحوس. وكان من تلك الأمم من يحسب أن النبوة وساطة بين المعبود وعباده للتشفع إليه بالهدايا والقرابين، وكانوا يطلبون وساطة الأنبياء دفعا للنوازل التي يستحقونها وتنزل بهم؛ لأنها قضاء مبرم يتوقعه الصالحون العارفون، ويسألون المعبود في دفعه قبل نزوله.
فجاءت نبوءة الإسلام بجديد باق لم تسبق له سابقة في الدعوات الدينية، بل لا حاجة بعده إلى جديد ولا استطاعة للتجديد؛ لأنه يخاطب في الإنسان صفته الباقية، وخاصته الملازمة، وهي خاصة النفس الناطقة بين عامة الأحياء، أو خاصة الضمير المسئول الذي يحمل تبعته، ولا تغنيه عنها شفاعة ولا كفارة من سواه.
فهي نبوة فهم وهداية، وليست نبوة استطلاع وتنجيم، وهي نبوة هداية بالتأمل والنظر والتفكير، وليست نبوة خوارق وأهوال تروع البصر والبصيرة، وتروع الضمائر بالتخويف والإرهاب حيث يعييها قبول الإقناع.
إنها نبوة مبشرة منذرة لا تملك لهم نفعا ولا ضرا، ولا تعمل لهم عملا غير ما يعملونه لأنفسهم بمشيئتهم إذا اهتدوا بهداية العقل المتدبر، والضمير السليم:
قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون (الأعراف: 188).
نعم، ولا إغراء ولا مساومة على جزاء بين الأخذ والعطاء:
অজানা পৃষ্ঠা
قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون (الأنعام: 50).
وقد جاءت سمعة المعجزة ميسرة لصاحب هذه النبوة يوم مات ابنه إبراهيم وكسفت الشمس، فظن الناس أنها كسفت لموته، وأبى النبي الصادق أن يسكت عليها، فتكلم ليعلمهم أن الشمس والقمر آيتان لا تخسفان لموت أحد ولا لحياته.
وقد بين للناس أن المعجزة لا تجدي من يكابر العقل، ويأبى الإصغاء إلى بينات الإقناع:
ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون (الحجر: 14، 15).
ولقد تقدمت نبوة الإسلام دعوات كثيرة من أكبر الدعوات شأنا في تاريخ العقيدة، ولكنك لو عرضتها على مؤرخ ينظر في أدوار التاريخ لم يستطع أن يختتم دور النبوة في تاريخ الإنسانية بدعوة من تلك الدعوات على جلالة شأنها؛ لأنها جميعا قد بدأت وانتهت قبل أن توجد في أذهان الناس فكرة الإنسانية العامة، وفكرة الإنسان المسئول المحاسب على أمانة العقل والضمير.
فنبوات بني إسرائيل لم تزل مقصورة على سلالة بشرية واحدة تنعزل بحاضرها ووعود مستقبلها عن سائر الأمم. وعيسى عليه السلام قد نقل الرسالة نقلة واسعة حين أدخل أبناء إبراهيم بالروح في عداد أبنائه بالجسد، ولكنه أدى رسالته وبقي الإنسان بعده محتاجا أشد الحاجة إلى رسالة تخلصه من الاعتماد على غيره في النجاة من أوزاره، والتكفير عن سيئاته، والنهوض بتبعات صلاحه وتربية روحه.
ولن تفرغ أمانة النبوة في تاريخ الإنسانية قبل أن يوجد الإنسان الذي يخاطب بخطاب العقل، ويحاسب بحسابه، ويحمل تبعاته على عاتقه، ويشترك على سواء بينه وبين إخوانه من البشر في عبادة إله واحد هو رب العالمين، وليس بالرب الذي يخلق نعمته لسلالة واحدة من خلقه، أو لعشيرة واحدة يدركها الخلاص بفضل لم تفضله، وحساب لم تضعه في موازينها بعمل يمينها.
فلما جاءت نبوة التكليف، صح في حكم العقل أن تختم بها النبوة؛ لأنها حاضرة في كل وقت يحضره الإنسان العاقل المسئول، وتحضره آيات الله لقوم يعقلون.
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (البقرة: 164). •••
إن قيام النبوة على إقناع العقل المسئول بآيات الكون قد اختتم سلطان الأحبار والقادة، كما اختتم سلطان النبوات بالمعجزات وخوارق العادات، فلا يعذر الإسلام إنسانا يعطل عقله ليطيع السادة والمستكبرين، أو ليطيع الأحبار المتسلطين بسلطان المال والدين:
অজানা পৃষ্ঠা
قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها (النساء: 97).
قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين (سبأ: 32).
يأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله (التوبة: 34).
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله (التوبة: 31).
فلا يسقط التكليف عن العاقل أن يطيع المتحكمين بطغيان الحكم أو طغيان الكهانة، ولا يمنعه التكليف أن يسأل من يعلم إن كان لا يعلم؛ لأن طلب العلم يحقق واجب التكليف ولا يعطله أو يلغيه، ويوجب على المتعلم أن يتبين من يسأل وهو مسئول عما يفعل:
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (النحل: 43).
فإذا سمي ختام النبوة باسمه الحق في تاريخ الإنسان، فاسمه الحق أنه هو فاتحة عهد الرشد في حياة الإنسانية الخالدة، قبل عهد الرشد الذي أخرجته القرون الوسطى بسبعة قرون.
ومن عبث الجهالة أن يفهم هذا الميقات الجليل فهم العقول الصغار، فلا يعطى حقه من الفهم ولا حقه من التقديس، وتسمع من يفسره في «عصر العلم» فلا يفهم منه إلا أنه «حكر» الأثرة يغلقه النبي على من بعده، ويسيغ هذا السخف وهو صورة لا تقبل التصور عن هذا النبي، كيفما تصوره الناظر إليه على حقيقته أو على دعواه؛ فهذا «الحكر» صنيع لا يصنعه نبي أمر أتباعه بتصديق الأنبياء من قبله، وجهد جهده لينفي سلطان الغيب عن نفسه، ويطرد سمعة المعجزة عن دعوته، وهي طيعة منقادة بين يديه؛ فإن جاز في حقه هذا «الحكر» المغتصب، فهل يجوز في حقه أن يغتصبه من الله، وأن يأمن تكذيب الله إياه، وقدرته على إخلاف دعواه؟
إن اختتام النبوة لا يفهم هذا الفهم الصغير في عقل يطيق أن يدرك الواقع من أمر دعوة عظيمة، ولا شأن عظيم، ولو كان احتكار النبوة باعث النبي إلى دعواه لما دخل فيها ذهاب سلطان الأحبار والولاة، ولا دخل فيها ادعاء النبوة أصلا وهي لا تخول النبي ولا مدعي النبوة أن يحجب المغيب المجهول من مشيئة الله.
ولكن الإيمان بالعقل المسئول هو الباعث البين الذي يفسر ما لم يفسره صغار العقول من اختتام النبوة، واختتام الكهانة، واختتام سلطان الحاكمين على الضمير، وأن انتظامه كله على هذه السنة المتفقة لهو الآية الناطقة بإرادة الله.
অজানা পৃষ্ঠা
روح وجسد
عقيدة الروح إحدى العقائد الغيبية في القرآن، والعقائد الغيبية أساس عميق من أسس التدين تقوم عليه كل ديانة يطمئن إليها ضمير الإنسان، ولكن الفضيلة الأولى في عقائد القرآن الغيبية أنها لا تعطل عقول المؤمنين بها، ولا تبطل التكليف بخطاب العقل المسئول وهو يؤدي حق التمييز، وحق الإيمان والإسلام؛ إسلام الأمر كله إلى الخالق المعبود.
وعقيدة الروح إحدى العقائد «الغيبية» التي نلمس فيها هذه الفضيلة كأنها من حقائق الحس، وإن وجب على العقل الإنساني أن يؤمن بعلمه القليل فيها، وأن يسلم تسليم الإيمان بأنها من علم الله.
ذلك بأن الإيمان بالروح لم يفرض على العقل البشري في القرآن الكريم نقيضة من النقائض التي تشطره بين ضدين متدابرين، ولم يفصم النفس البشرية بفاصم من الحيرة بين الخلقتين: خلقة الإنسان روحا مجهول القوام، وجسدا معروف المطالب والغايات، محسوس اللذات والآلام.
فالروح والجسد في القرآن الكريم ملاك الذات الإنسانية، تتم بهما الحياة، ولا تنكر أحدهما في سبيل الآخر، فلا يجوز للمؤمن بالكتاب أن يبخس للجسد حقا ليوفي حقوق الروح، ولا يجوز له أن يبخس للروح حقا ليوفي حقوق الجسد، ولا يحمد منه الإسراف في مرضاة هذا ولا مرضاة ذاك. وعلى الله قصد السبيل.
والقرآن الكريم ينهى عن تحريم المباح كما ينهى عن إباحة المحرم:
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون (المائدة: 87، 88).
والقرآن الكريم يعلم المؤمن به أن يكسب الطيبات من صنع يده، وأن ينفق منها غير مسرف في إنفاقه، وأن ينعم بالطيبات من ثمرات الأرض وخيراتها؛ لأنها نعمة مشكورة لا يحل له أن يجتنبها:
يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض (البقرة: 267).
يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (البقرة: 172).
অজানা পৃষ্ঠা
ومن تمكين الإنسان في الأرض أن يبتغي فيها معيشته، ويسيم فيها مطيته، وأن يتخذ منها زينته، ويتم بها عدته، ولا يزهد في شيء من خيراتها يخرجه لنفسه، أو تخرجه له الأرض من فضل ربه:
والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون * وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين * هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون * ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (النحل: 8-11). •••
بل الزينة للعبادة واجبة كوجوبها لمقاصد الدنيا ومطالب المعيشة، والخطاب في هذا موجه إلى بني آدم؛ لأنها نعمة مرضية من نعم الإنسانية، ومن تمييز الله لهذا الإنسان على سائر الحيوان:
يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين * قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق (الأعراف : 31، 32).
ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش (الأعراف: 10). •••
فهو من تمكين بني آدم بين خلائق الله، وهو من حق المعيشة الأرضية وواجب الحياة الدنيوية، لا تناقض فيه بين روح وجسد، ولا تنازع فيه بين دنيا وآخرة، ولا فصام فيه للذات الإنسانية يحار فيه العقل وتتمزق به أوصال الضمير.
وقوامه في خطاب التبليغ للإنسان من بني آدم كافة:
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا (القصص: 77). •••
فليس السعي في سبيل الدنيا ضلالا عن سبيل الآخرة، وليس في القرآن فصام بين روح وجسد، أو انشقاق بين عقل ومادة، أو انقطاع بين سماء وأرض، أو شتات في العقيدة يوزع «الذات الإنسانية» بين ظاهر وباطن، وبين غيب وشهادة، بل هي العقيدة على هداية واحدة تحسن بالروح كما تحسن بالجسد، في غير إسراف ولا جور عن السبيل:
ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين (النحل: 9).
অজানা পৃষ্ঠা