ويقول الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده: «إن الظاهر أنها نزلت قبل فتح مكة، وأن النبي - عليه السلام - تلاها استشهادا.»
ومن تفسيرات المتأخرين تفسير الجواهر للشيخ طنطاوي جوهري يقول: إن الأمانة «كل ما اؤتمنتم عليه من قول أو عمل، أو مال أو علم، وبالجملة كل ما يكون عند الإنسان من النعم التي تفيد نفسه وغيره»، وإن الخطاب موجه إلى الناس عامة، وإلى الحكام وولاة الأمور.
وكذلك الأمانات والعهد فيما ورد في سورة «المؤمنون»:
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (المؤمنون: 8).
فهي تشمل كل ما يرعاه الإنسان من عهد وذمة، وهذا هو معنى الأمانات في سورة الأنفال، وعلى هذا المعنى إجمالا يفهم كل تبليغ خوطب به الناس عامة، وإن تنزلت به الآيات لمناسبة خاصة.
أما الأمانة التي عرضت على الخلق عامة فحملها الإنسان ولم يحملها أحد من خلقه، فهي أعم من المناسبات الخاصة والمناسبات العامة بالنسبة إلى أحكام التبليغ؛ لأن الأمر فيها أمر التكوين والاستعداد بالفطرة التي فطر عليها العاقل وغير العاقل، واستعد له الحي وغير الحي، والمخاطب بالتبليغ وغير المخاطب. وفي هذا الموضع من القرآن الكريم ذكرت هذه الفطرة مقرونة بفطرة الخليقة كلها، وذكرت ومعها صفة الإنسان التي تخصه بين عامة المخلوقات حين يتقبل أعباءها ويحملها، وما كان ليحملها إلا أن يتعرض لتبعاتها؛ فهو ظلوم جهول.
ظلوم لأنه يتعدى الحدود وهو يعرفها، وجهول لأنه يتعدى تلك الحدود وهو لا يعلمها، وعنده أمانة العقل التي تهديه إلى علمها. وما من كائن غير الكائن العاقل يوصف بالظلم والجهل؛ لأنه لا يعرف الحد الذي يتعداه، ولا تناط به معرفة الحدود، وإنما يوصف بالظلم والجهل من يصح أن يوصف بالعدل والمعرفة، ومن يصح أن يسأل عن فعل يريده في الحالين.
قال تعالى:
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا (الأحزاب: 72).
وذكرت هذه الفطرة الإنسانية في موضع آخر من الكتاب، مع ذكر تكريم الإنسان وولايته زمام الكائنات مفضلا على كثير من المخلوقات، فقال تعالى في سورة الإسراء:
অজানা পৃষ্ঠা