بأس شديد .. ثم عبد المسلمين من الرجال الفداوية (١) الذين يغتالون الملوك في فرشها، وعلى أفراسها .. وأما ما عندنا في أمر النصارى، وما يفعل الله بهم من إدالة المسلمين عليهم، وتسليطه عليهم، فهذا مما لا أخبر به الملك، لئلا يضيق صدره " (٢).
وحين لاحظ شيخ الإسلام ازديادًا في النشاط التنصيري في عصره، ورأى أن بعض علمائهم قاموا يسيحون في الأرض لنشر ديانتهم، والتشكيك في دين الإسلام، ونشر الشبهات حوله، بادر ﵀ إلى تأليف كتابه العظيم "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" الذي قوض به معالم النصرانية، وأطاح يه بعبادة الصليب، وأبان بجلاء ما احتوت عليه هذه الديانة من أكاذيب وأباطيل وخرافات، وأن المسيح ﵇ بريء منها، وأنها مخالفة لدين الأنبياء جميعًا (٣).
_________
(١) لعلهم يقابلون الفدائين في عصرنا الحاضر.
(٢) مجموع الفتاوى (٢٨/ ٦٠١ - ٦٣٠)، وتسمى هذه الرسالة بالقبرصية، وقد أطلت النقل بعض الشيء، لإعطاء بعض الضوء على عالمية الدعوة الإسلامية التي فهمها شيخ الإسلام، وعمل بمقتضاها.
(٣) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (١/ ١٩)، حيث ذكر ﵀ أنه ورد كتاب من قبرص فيه الاحتجاج لدين النصارى، وهو عبارة عن رسالة لأحد كبرائهم وهو أسقف صيدا بولس الراهب، الذي أكثر من التسيار لمناقشة الناس، ودعوتهم إلى النصرانية.
ويرى الباحث القدير الأستاذ الدكتور علي بن عودة الغامدي أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة أم القرى أن سبب إرسال ملك قبرص لهذه الرسالة إلى المسلمين في بلاد الشام هو الراهب الفرنسيسكاني ريموند لول (نسبة إلى منظمة الرهبان الفرنسيسكان إحدى المنظمات التنصيرية التي انبثقت منها حركة التنصير الأوربية، التي هدفت إلى تحويل العالم الإسلامى إلى النصرانية) وكان ريموند لول هذا قد وصل إلى قبرص سنة (٦٩٩) للهجرة، وطلب من ملكها الصليبي هنري الثاني دي لوزجنان أن يساعده في مهمة تنصير المسلمين، ويقول في ذلك: "ويبدو أن ملك قبرص أطلع لول على رسالة شيخ الإسلام، وكان ريموند لول -حينذاك- يجمع مادة كتابه، فرد ريموند لول على رسالة شيخ الإسلام بأن بعث إليه بكتاب قديم ألفه أحد علماء الكنيسة الشرقية، ويدعى بولس الراهب أسقف صيدا الإنطاكي المتوفى سنة (١٥٤ هـ)، وقد أشار شيخ الإسلام إلى هذا الكتاب =
1 / 39