وفعل ما يجب .. وأصل ذلك أن تستعين بالله، وتسأله الهداية، وتقول: اللهم أرني الحق حقًا، وأعني على اتباعه، وأرني الباطل باطلًا، وأعني على اجتنابه .. والكتاب لا يحتمل البسط أكثر من هذا، لكن أنا ما أريد للملك إلا ما ينفعه في الدنيا والآخرة .. وأبو العباس (وهو أحد أسارى المسلمين) حامل هذا الكتاب، قد بث محاسن الملك وإخوته عندنا، واستعطف قلوبنا إليه، فلذلك كاتبت الملك لما بلغتني رغبته في الخير، وميله إلى العلم والدين، وأنا من نواب المسيح وسائر الأنبياء في مناصحة الملك وأصحابه .. والله المسئول أن يعين الملك على مصلحته التي هي عند الله المصلحة، وأن يخير له من الأقوال ما هو خير له عند الله، ويختم له بخاتمة خير، والحمد لله رب العالمين .. ".
ولم ينس شيخ الإسلام أن يذكر ملك القبارصة النصارى أنه سعى عند التتار في فك جميع الأسرى من أهل الملة، ومن أهل الذمة من اليهود والنصارى، وأن ليس جزاء الإحسان إلا الإحسان، وأن على الملك ومن معه إطلاق أسرى المسلمين.
على أن شيخ الإسلام -وهو الداعي الحكيم- تأخذه العزة لله، والحرقة على مصاب أسرى المسلمين في قبرص، فيلجأ أحيانًا إلى لهجة التهديد، ونبرة الوعيد، وإن كان يحاول مزجها بشيء من الاعتذار، فهو يقول مثلًا: "فيا أيها الملك! ! كف تستحل سفك الدماء، وسبي الحريم، وأخذ الأموال بغير حجة من الله، ورسله، ثم أما يعلم الملك أن بديارنا من النصارى أهل الذمة والأمن ما لا يحصي عددهم إلا الله، ومعاملتنا فيهم معروفة، فكيف يعاملون أسرى المسلمين بهذه المعاملات التي لا يرضى بها ذو مروءة ودين؟ لست أقول عن الملك وأهل بيته ولا إخوته، فإن أبا العباس شاكر للملك ولأهل بيته كثيرًا .. أفتأمنون مع هذا أن يقابلكم المسلمون ببعض هذا، وتكونون مغدورين؟ والله ناصرهم ومعينهم، لا سيما في هذه الأوقات، والأمة قد امتدت للجهاد، واستعدت للجلاد، ورغب الصالحون وأولياء الرحمن في طاعته، وقد تولى الثغور الساحلية أمراء ذوو
1 / 38