وقد كان لشيخ الإسلام من تلك المزية الفائقة أوفر الحظ والنصيب، فذكاء مفرط، ونبوغ باكر، وعبقرية عجيبة تألفت منها شخصية شيخ الإسلام، لتلقى الرعاية والعناية والاهتمام من رجالات هذه الأسرة العلمية النبيلة ونسائها على حد سواء.
وما الظن حين يرعى الموهوبون، ويتعاهد بالعناية والتشجيع النابغون، وهذا حال شيخ الإسلام ﵀ في أسرته.
ولعل من المناسب أن أذكر طرفًا ميسورًا ونبذة موجزة عن بعض فروع هذه الدوحة الطيبة والشجرة المباركة من آل تيمية رحمهم الله تعالى، ليدرك المطالع سرًا من أسرار بعض ما ناله شيخ الإسلام -في حياته وبعد مماته- من رفعة وعلو وقبول ومكانة.
ولئن نالت دمشق ومصر -وغيرهما من البلدان- حظهما من علم شيخ الإسلام ودعوته، فلقد كانت حران -موطن أجداده- مهدًا لنشاط أسلافه من آل تيمية، ومركزًا بارزًا لعلومهم.
* فمن آل تيمية ﵏ فخر الدين أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر (ت سنة ٦٢٢ هـ) الذي نعته الإمام الذهبي بالشيخ الإمام العلامة المفتي المفسر الخطيب البارع عالم حران وخطيبها وواعظها، صاحب الديوان في الخطب، والتفسير الكبير الذي يبلغ ثلاثين مجلدًا، وله مختصر في مذهب الحنابلة -الذي درجت عليه هذه الأسرة- ولازم الإمام ابن الجوزي وقرأ عليه كثيرًا من مصنفاته، وهو عم المجد أبي البركات جد شيخ الإسلام، ووالده أبو القاسم كان من أهل العلم الصالحين وعليه قرأ القرآن، وقد أطال الحافظ ابن رجب في ترجمته (١)، وذكر أنه كانت بينه وبين الإمام موفق الدين ابن قدامة ﵀
_________
(١) وقد بلغت هذه الترجمة إحدى عشرة صفحة، وما التراجم المطولة في الذيل إلا لمشاهير علماء الحنابلة؛ والفخر ابن تيمية واحد من أبرزهم، وإن كان ليُؤخذ على ترجمة الفخر أن ثلاث صفحات منها قد سيقت في حال المرائي التي قيل إنها رؤيت له بعد موته، ولو خلت الترجمة منها لما أضر بها شيء، ولو اقتصر فيها على قصة أو قصتين لكفى، والله أعلم.
1 / 20