نسبه
لا يعلم شيء ثبت عن نسب هوميروس وحسبه، وإن لدينا مما استبقاه المتقدمون أقوالا متباينة لا يمكن الأخذ بشيء منها، وصفوة ما عول عليه الكتبة منها سيرتان كتبهما هيرودوتس وفلوطرخوس، ثم وجد المتأخرون بعد التمحيص أنهما لا تخلوان من تناقض يؤدي إلى الظن أنهما لفقتا بعد حين كقول هيرودوتس أن هوميروس نبغ في القرن السابع أي: قبل حملة الفرس الكبرى على بلاد اليونان، وقوله في تاريخه: «إن هوميروس تقدمه بأربعمئة سنة مع أنه كان يدون بنفسه سير تلك الغزوة تدوين الشاهد الحي». وليس في ما بين أيدينا من منظوم هوميروس ما يشير إلى أسرته وعترته مع أنه كان أحرص الناس على تدوين الأنساب كما يتضح لمن يتصفح الإلياذة، ولا أخاله إلا آتيا على تلك النسبة في شيء مما فقد من شعره إذ ليس في محفوظ أشعاره ذكر لأبيه، وأما أمه فيزعم بعض الشراح أنها هي المعنية بقوله في النشيد الثاني عشر:
كمرأة عالت الأطفال عادلة
قد أمسكت عود ميزان تعادله
لا تخسر الصوف مثقالا تضن به
وعلى هذا فلا يمكن استخلاص شيء من كتبه عن نسبه، وجميع ما لدينا من رواية السلف عنه لا يتجاوز حد الحدس، ولا سيما أن شهرته النامية ومنزلته السامية حببتا إلى كتبة كل قبيلة من اليونان أن تدعيه فتنازعته مدائنهم وأتي كل منهن ببرهان، وأشهر تلك المدائن ثمان وهي: أزمير، وسلاميس (وتدعى اليوم كولوري) ويوس (نيو) ورودس، وخيوس (ساقس) وكولوفون، وأرغوس وأثينا، ولعله أقام زمنا في كل منهن وأخلف فيها أثرا من شعره فكان داعيا إلى تلك الدعوى، وإن رجلا هذا شأنه لا بدع أن يدعيه كل فريق من قومه بعد أن ادعاه الأجانب، فقد ذكر أفستاثيوس رواية أسندها إلى إسكندر بافيوس زعم فيها أن هوميروس ولد في مصر قال: «كان أبوه يدعي داماساغوراس، وأمه أثرا فلما ولد عنيت بتربيته نبية من ولد أوروس الكاهن، وكان يتحلب الشهد من ثدييها إلى فم الطفل فكان إذا أقبل الليل يتغنى بصوت كصوت تسعة من الطير مختلفة الأجناس، وإذا لاح الفجر يصبح وهو يلاعب تسعا من الورق، وأوعز إلى أبيه أن يبني هيكلا للقيان منشدات السماء فبناه وقص الخبر على ابنه لما بلغ أشده، فكانت تهيجه ذكرى الحمام وترنم به في شعره».
ومهما يكن من الخبط في تلك الأقاويل، فإنا نتبع الفريق الأعظم من الكتبة في التعويل على النسبة التي كتبها هيرودوتس وإليك مجملها:
مولده ونشوؤه
هو ابن كريثيس ابنة ميلانوفوس ولدته أمه على ضفة نهر ميليس في ضاحية أزمير ودعته ميليسا جينيس أي: ابن النهر ميليس، وكان في أزمير إذ ذاك معلم كتاب يدعى فيميوس، فاستأجرها لغزل الصوف الذي كان يتقاضاه أجرة من تلامذته، وكانت كريثيس صناع اليدين ذات رجاحة وسكينة فأعجب بها فيميوس وخطبها لنفسه، وما زال يمنيها بالوعود حتى أجابته إلى طلبه. وكان جل ما استمالها به قوله لها: إنه توسم في الغلام من الفطنة والذكاء ما جعله واثقا أنه سيكون نابغة عصره إذا عهد إليه بتربيته، فإذا رضيت به بعلا لها فهو يتبنى ابنها، ويعكف على تهذيبه وتثقيفه، وبر فيميوس بوعده، فعني به فإذا به قد فاق جميع أقرانه ثم ما انقضت بضعة أعوام إلا وهو يكاد يظهر على أستاذه.
مدرسته
অজানা পৃষ্ঠা