فهو خطاب ألقاه بنفسه في النشيد الثاني وقصد به هنا غير ما قصد هناك، ولعل ما قاله في هذا الموضع مما فقد أصله فعوض النساخ عنه بأبيات سابقة حسبوها تليق بالمقام.
المغلق
ولقد أغلق علي فهم المراد من مخالفة أثينا لأبيها زفس مخالفة بلغت حد العصيان، وهي ربة الحكمة والسداد تعرف أنها لا قبل لها به، ويشق عليها الخذلان فلا تأتي أمرا يورثها الندم، فكيف قامت بعد هذا تتهدد وتتوعد بكلام ملؤه العتو، ثم ما لبث أن استلأمت، وتدججت بالسلاح لتنخرط في سلك مقاتلة نهاها زفس عن الأخذ بيدهم، فصدعت بالأمر وقالت: «أطعنا فلا نأتي النزال» ثم خالفت قولها، وانتقضت عليه انتقاضا كاد يودي بها، وحبذا لو كانت هذه الرواية في بضعة أبيات إذن ليتيسر لي أن ألتمس للشاعر عذرا، فأجزم بكونها دخيلة ولكنها مندمجة في الرواية اندماجا، ولا سبيل إلى إفرازها منها إلا إذا اختل نظام سياق الحديث فلا بد إذن من أن تكون من نظم الشاعر أدرجها هنا لأمر غمضت علي حكمته. وخصوصا أن الشاعر يتوخى الحقيقة في كل أقواله صريحة كانت أو رمزية، ويرمي في كل معانيه إلى بث حكمة ونشر فضيلة، وليس في هذه الرواية شيء من ذلك. على أنه إذا صح انتقادنا، فليس بعجيب أن يشذ الشاعر هذا الشذوذ في مظنة واحدة من منظومة تملأ هذا المجلد الضخم.
وعلاوة على ما تقدم ربما لا تخلو الإلياذة من ألفاظ بل من أبيات لعبت بها أيدي النساخ، ولكنه ليس في شيء منها ما يشوه وجه تلك الخريدة العذراء فلا يزيدها تقادم العهد إلا بهاء ورواء، فهي كزهرة هوميروس وقومه تتوالى عليها الأعقاب وتنقضي الأحقاب، وهي هي تلك الفتية العذراء ربة الجمال الخلاب.
الرأي الولفي
أو القول في كونها منظومة واحدة أو منظومات شتى
توالت الأحقاب على الإلياذة والناس يتناشدونها ويتناقلونها وهم معجبون ببلاغتها، وانتساقها مكبرون ذكاء تلك القريحة السيالة التي تفجر منها ذلك المنهل العذب، فلما كان القرن الثامن عشر قامت عصابة من العلماء، وأنكرت على هوميروس إنشاء الإلياذة وما يتبعها من سائر شعره، وقالت: «بل هي قصائد متفرقة لشعراء كثيرين رواها الرواة، وعني بجمعها المشغفون بمطالعة الشعر» وكان من نتيجة قولهم هذا أن هوميروس رجل وهمي خلقته مخيلات الشعراء.
ذلك ما يدعى في عرف الإفرنج بالرأي الولفي نسبة إلى ولف العالم الألماني، وإن لم يكن هو السابق إلى بث ذلك المذهب، وإنما نسب إليه لأنه كان أشد دعاته وتيسر له نشره في زمن ثوران أفكار وانتقاض على كل كبير، وقد سبقه إليه أفراد ذوو شأن في عالم الأدب فلم يكن لكلامهم شيء من الوقع.
بدأ الخوارج على هوميروس وإلياذته وسائر منظوماته بنشر دعوتهم في أواخر القرن السادس عشر وفي مقدمتهم كازوبون
22
অজানা পৃষ্ঠা