103

أو شعراء الجاهلية

خاض العرب في الجاهلية عباب بحر الشعر، وولجوا كل باب من أبوابه فوصفوا وترسلوا، وتغنوا وتغزلوا، ومدحوا وهجوا، ورثوا ودونوا الأخبار، وضربوا الأمثال ووضعوا الحكم، وتنافروا وتفاخروا وشاعرهم مندفع في كل ذلك بسائقة الطبيعة يفكر في محسوس بين يديه، ومنظور أمام عينيه، وعاطفة بين جنبيه، وشعيرة تختلج في صدره، وصورة مرسومة في مخيلته منعكسة عن طرق معيشته وفطرته. لا يتطلع إلى ما وراءها ولا يتكلف الزخرف والتنميق.

وكانوا يسددون قولهم نحو كبد الحقيقة فلا يخطئونها، ويقولون الشعر عن شعور حي، ولا يتخطون إلى ما وراء مشهودهم ومعقولهم فجاء شعرهم مثالا صادقا لبداوتهم وحضارتهم، حتى لو اندثرت جميع أخبارهم وآثارهم، وما بقي إلا شيء من شعرهم لتيسر للباحث أن يستخرج منه وصفا كاملا لجميع أحوالهم كما استخرج الباحثون كثيرا من غوامض جاهلية اليونان من شعر هوميروس.

ويسري هذا الحكم على جميع شعراء الجاهلية من عبدة الأوثان واليهود والنصارى، ومن أدرك الإسلام وأسلم أو لم يسلم، وهم في ذلك سواء في اليمن ونجد، والحجاز، والعراق وبوادي الشام، وسائر أطراف بلاد العرب، فالشاعر منهم إما بدوي عريق في البداوة، وإما حضري لاصق بأبناء البادية، وكلاهما متخلق بأخلاق الجاهلية ينزع إلى رسم الحقيقة رسما ناطقا، فإذا روى حادثة بسطها بسطا جليا، وألم بها إلماما واضحا يغنيك عن التخرص والتنقيب نظير ما فعل هوميروس في إيراد كل حوادثه، وإليك مثالا قول المهلهل بعد وقعة السلان إذ حضرها مع أخيه كليب، وفر ابن عنق الحية من وجهها:

لو كان ناه لابن حية زاجرا

لنهاه ذا عن وقعة السلان

يوم لنا كانت رئاسة اهله

دون القبائل من بني عدنان

غصبت معد غثها وسمينها

فيه ممالاة على غسان

অজানা পৃষ্ঠা