ولو سلمنا أن المقدمة المذكورة لم نسلم أن ها هنا اختيارا على مذهبهم في قدم الإرادة وتعلقها لذاتها، فالشأن في كل إنسان في وجوب الشيء بالاختيار وما هنا إلا جواب بدون اختيار، وإنما يتأتا الوجوب الجامع للاختيار، وعند من يدعيه بالنظر إلى الإرداة الحادثة التي يكون تعلقها اختياريا فإنه يمكن أن يدعي أن الفعل يجب عند تعلقها، وعدم المانع، ولقد اختبط العضد في هذا المقام، ألا تراه كيف أجاب عن قوله: لا يقال بقوله قلنا، ومن المألوف المعروف أنه لا يجاب على السؤال بل يقال: لأنا نقول، ولهذا صلح له السيد المحقق في شرحه فقال: على قوله قلنا ما نصه: أي لأنا نقول...إلخ، ثم قال: وها هنا بحث وهو أن إرادة أحد الضدين إذا كانت مغايرة لإرادة الآخر، وكان كل واحد منهما لذاتها متعلقة بأحدهما على التعيين اتجه أن يقال: إذا لزم إحدى الإرداتين ذات المريد لمن يكن له الإرادة المتعلقة بالجانب بالجانب الآخر بدلا عن الإرادة الأولى، فلا قدرة لمعنى صحة الفعل والترك، وإذا لم يلزم جاز تجدد الإرادة وحدوثها، وإذا لم تكن مغايرة بل تتعلق بالآخر، ويلزم الإيجاب، وما ذكره من أن الوجوب المترتب على الاختيار لا ينافيه يصح في القدرة بمعنى: إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل كما سبق تصويره، فنذكر إلى هنا كلام السيد المحقق في الشرح المذكور أعني شرح المواقف، فقد نظر بالحق الصريح واعترف بما ذكرناه عنهم اعترافا في غاية التوضيح، وأشار إلى أنه تعالى لا يكون مختارا على هذا المذهب إلا بمعنى أنه إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل، كما هو مذهب الفلاسفة، واصطلاحهم المبني على صريح الإيجاب، ولايكون تعالى مختارا بمعنى أنه إن شاء فعل وإن شاء ترك كما هو معنى الاختيار عقلا ونقلا، بل أحدهما أي الفعل أو الترك واجب الصدود، والآخر ممتنع بالجملة، ففي هذا الإشارة من السيد المحقق رشاد اللبيب المنصف، وتنبيه له على أن مذهب القوم هو مذهب الفلاسفة بعينه، ثم أنه ذكر ربه في مسألة التحسين والتقبيح، فقال شارحا لقول العضد في المواقف: فمرجح فاعليته قديم...إلخ، ما نصه: فهو أي مرجح فاعليته إرادته وقدرته المستندتان إلى ...... إيجابا يتعلقان بالفعل في وقت مخصوص.
قال: فإن قلت: مع ذلك المرجح القديم إن وجب الفعل انتفى الاختيار وإلا جاز أن يصدر بالفعل تارة ولا يصدر أخرى فيكون اتفاقيا كما مر في العبد.
قال قلت: لنا أن نختار الوجوب ولا محذور؛ لأن المرجح للموجب إرادته المستندة إلى ذاته، بخلاف إرادة العبد فإنها مستندة إلى غيره، فإذا كانت موجبة لزم الجبر قطعا، وقد مر هذا مع الإشارة إلى ما فيه من شائبة الإيجاب، تم كلامه في ذلك الكتاب.
وهذه الثانية في الإيجاب هي التي شابت من شوبها عوارض النظر من أرباب الألباب، وهي التي اقتضت أن سعد الدين ترك ذلك السؤال في الإيجاب مفتوحا بغير جواب، وكذا الإمام الرازي أعرض في المحصل على وقوع لزوم الإيجاب كما يشهد بذلك الإطلاع على ما ذكره في الإلهيات من مسألة كونه تعالى مريدا.
هذا وقولهم: بأن إرادة العبد مستندة إلى غيره باطل باعترافهم في غير مركز الجدال.
পৃষ্ঠা ৭২