أما الأول: فلأنه مكلف والتكليف قهر؛ لأنه تحميل للكلفة[17] والمشقة، فأن كان متمكنا تمكنا حقيقيا من تحمل هذه الكلفة والمشقة فتمكنه يستلزم اقتداره على التأثير والتحصيل لما كلف به، وإلا فلا كلفة ولا مشقة إذا كان التأثير والتحصيل الذي به المشقة والكلفة ليس إليه منه شيء، ولذا هو إلى الله، وإذا انتفت الكلفة بالكلية والمشقة التي لا تنافي بدون تحصيل ما كلف به أصلا، فقد انتفى التكليف بالكليةن فانتفاء القهر من هذه الحيثية.
أما ثانيا: فلأن التكليف الذي هو تحميل للكلفة والمشقة يستلزم الاقتدار على التأثير في الفعل الذي وقع به التكليف في وجه آخر غير الوجه الذي تقدم، وهو أن التكليف لا يصح إلا مع التمكن ولا معنى للتمكن من الكسب أي كيسب الفعل المكلف به، وإلا لزم التمكن في القدرة والإرادة اللتين هما مأخوذتان في حقيقة الكسب، وهما اللتان لا تأثير لهما، بل قد عرفت أن تمكن العبد في إيجاد قدرته محال قطعا وإجماعا.
أما ثالثا: فلأن المقهور في اللغة هو المغلوب ولا يتصف بالمغلوبية إلا القادر على الأفعال لا العاجز والجماد، وإلا لجاز اتصاف الجدار بأنه مغلوب.
هذا وأنت قد عرفت أنه لامعنى للقادرية إلا إذا كانت قادرية على تحصيل الأفعال وإيجادها، ولا معنى للقادرية على الكسب بل ذلك محال كما مر، فقد انعكس مطلوب المعترض، وصار كلامه حجة عليه كما ترى، وكفى الله المؤمنين القتال، والحمدلله رب العالمين.
পৃষ্ঠা ৪৬