ثالثها: أنه تعالى لو كان فعالا لأفعال العباد كما هو مطلوب المعترض من إشارته إلى هذه الآية المذكورة لم يبق فرق بين قولك: بأنه تعالى فعال لما يريده الشيطان، وبين قوله تعالى: {فعال لما يريد} وقدم تعالى إرادة الشيطان ونبه عز وجل على أنها مناقضة لإرادته عز وجل في مثل قوله تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء...} الآية، وقوله تعالى: {ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا} وهكذا إخوان الشيطان كما ذم الذين يتبعون الشهوات، وحذر منهم بقوله تعالى: {ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما} فلو تم استدلال المعترض[12] بهذه الآية الكريمة المذكورة وإلا لزم دخوله تعالى في الذين يتبعون الشهوات بمقتضى العموم، لا يقال: لا يصح هذا لاستحالة الشهوة في حقه تعالى، لانأ نقول: ليس هذا إلا إلزاما وتشنيعا لمقالة السوء، ولا أقل من تناول العموم له تعالى من جهة الذم وإن لم يتناوله من جهة الشهوة، وهذا كاف في بطلان مطلوب المعترض وفساد زعمه وخياله، ولا يقال: أنه لا يندرج تحت الذم بأمثال هذه الآية إلا العباد لانتفاء الحسن والقبح عقلا عند المعترض واصحابه، لأنا نقول: الأصل عدم التخصيص اتفاقا فلا يعدل إليه إلا بدليل، ولا دليل إلا المصادرة، كيف والذم ليس من أجل إرادة الميل العظيم، فكل من أراده تناوله الذم، لا يقال: هذا اعتماد في مسألة من مسائل الاعتقاد على العموم الظني، وهو غير جائز اتفاقا، لأنا نقول: هكذا صنيع المعترض وأصحابه المعتمدين على العمومات كما مر، بل هذا العموم أثبت من تلك العمومات بدون تصور نزاع؛ لأن تلك العمومات مخصوصة قطعا وإجماعا بخلاف هذا، فإنه لايتم الإجماع على تخصيصه إلا إذا انعقد الاجماع على أن الله تعالى لا يريد أن العباد يميلون ميلا عظيما بأن يمتنع منه تعالى إرادة القبيح وفعله، وحينئذ يسقط النزاع من أصله على أنه لا يتجه هذا السؤال إلا على تقدير أن الكلام حقيقي ، وأنت قد عرفت في جواب السؤال الأول أنه إلزامي لا حقيقي.
পৃষ্ঠা ৩৪