وأما الأشاعرة فلأنهم لا ينكرون أن للعباد أفعالا اختيارية بزعمهم، وهذا الاستدلال بهذه الآية يقتضي أنه لا فعل لأحد من العباد، وأنه تعالى فاعل الكل، فظهر فساد هذا الشق الثاني، وفيه فساد آخر وهو: أن الآية المذكورة تصير .....عن إفادة كونه تعالى فعال لما يريد من أفعال نفسه تقدس شأنه، وإن كان الثالث فإما أن يكون تعالى فعالا حقيقة لأفعال ولأفعال العباد، أو أن يكون فعالا لأفعاله حقيقة ولأفعال العباد، ومجازا إن كان الأول، فإما أن يكون المراد بأفعال العباد ما هو في أفعالهم حقيقة، وهو ليس إلا الكسب فقط عند المعترض وأصحابه كما مر، أو أن يكون المراد بأفعال العباد ما نسبه تعالى إلى عباده في كلامه عز وجل أعم من الأفعال التي يدعي أهل الكسب أن للكسب فيها مدخلا، والأفعال والأعمال التي يدعون أن للكسب فيها مدخلا كأشكال الأصنام والمحاريب والتماثيل والمصانع وسائر العمارات، والأوضاع الحاصلة في الخارج لا سبيل إلى الأول في هذين الشقين؛ لأنه يستلزم خلق الله تعالى لكسب العبد وهو محال كما مر، وهذا إن كان بمعنى كونه تعالى فعلا لا كونه خلاقا موجدا للأفعال إلا لزم أنه تعالى كاسب لكسب العبد، ولهذا تبرئ سعد الدين وغيره من القول بأن الله فاعل لأفعال العباد، وكما صرح به في شرح المقاصد ويلزم القول والاشتراك، ولا سبيل إلى الثاني أيضا؛ لأنه تنقلب حجة المعترض وأصحابه إذ يكون اعتراضا بأن الله قد أراد أن العباد فاعلون لما هو خارج عن محل كسبهم، ولا معنى لفعلهم، لذلك حينئذ لا تأثير لهم فيه، لانتفاء الكسب فلو دلت الآية على أنه تعالى فعال له أيضا لزم التوارد والمحال أو تحصيل الحاصل، وهو محال، ويلزم على هذا الشق جمع بين الحقيقة والمجاز، كما أنه لا يلزم على الشق الأول عدول إلى القول بالاشتراك لذي هو خلاف الأصل؛ لأن الجمع بين الحقيقة والمجاز عدول عن الأصل نظرا إلى المعنى المجازي، وأيضا فإن الوضع ليس للمعنيين معا في حالة واحدة، وهذا جار في المشترك إذا استعمل في معانيه فاحفظه.
ثانيها: أن هذه الآية الكريمة لا تدل على أنه تعالى فعال لما يريد، ولا تدل على أن أفعال العباد مما يريده، فأين الدليل على أن أفعال العباد كلها مما يريده حتى يلزم أنه تعالى فعال لها في جملة ما يريده، فاستدل المعترض وأمثاله بهذه الآية على أن الله تعالى فاعل لأفعال العباد وموجد لها دونهم مستلزم لدور ظاهر محال؛ لأنه لا يتم لهم ذلك حتى يثبوا أنه تعالى مريد لها على أفعال العباد كلها، لكنهم لا يثبتون أنه تعالى مريد لها بناء منهم على أنه تعالى فاعل لها باختياره ويلزم أنه مريد لها بزعمهم فلزم الدورالمحال.
পৃষ্ঠা ৩৩