ولينصفنا المنصف المتدرب في معرفة الأخبار أن من شأن الرسول (ص) أن يبالغ مثل هذه المبالغة في مدح أحد من المخلوقين وهذا من أوصاف الخالق قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ثم أن لفظ الفضايل لا يوجد أصلا في كلام النبي (ص) ومحال أن يحكم المحدث أن النبي (ص) تكلم بلفظ الفضايل فإن هذا من ألفاظ المحدثين المولدين وليس من كلام العرب والمحدث لا يخفى عليه أن هذا موضوعا وأكثر ما ذكر من مناقب الخوارزمي موضوعات وأما الحديث الذي رواه عن الخوارزمي عن ابن مسعود وهو أن الله خلق آدم لأجل محمد وعلي وأن العاصي بالله إن أطاع عليا فهو من أهل النجاة والمطيع بعد أن عصى عليا فهو من أهل النار فقد تحتم الحكم بأنه من الموضوعات لأنه مخالف لحكم الشرع فإن عليا عبد من عباد الله تعالى وهو ليس بأكرم على الله من محمد ومن اعتقد أن عليا أكرم على الله من محمد فهو كافر بالله العظيم ولا يرتاب في هذا أحد من المؤمنين محمد (ص) لا يمكن أن يدعى فيه أن من أطاعه وعصى الله فهو من أهل النجاة لأن طاعة الله وطاعة رسوله واحد فكيف يمكن الدعوى أن من أطاع عليا وإن عصى الله فهو من أهل النجاة وهذا من موضوعات غلات الرفضة ذكره هذا الرجل الرافضي ولا اعتداد بهذا النقل ولا اعتبار ثم أن كل ما يذكره من هذه الفضايل وإن صح فإنه لا يدل على وجوب إمامته كما لا يخفى انتهى وأقول لا يخفى على من ترعرع قليلا عن درجة العوام ما في كلام الناصب من الجهل والخبط وعدم الانتظام أما أولا فلأن قوله كذلك كل على حسب مرادهم يذكرون فضايل من يريدون من الخلفاء الراشدين مردود بأن ورود الأحاديث المشتملة على الفضايل الموجبة لاستحقاق الخلافة في شأن الأصحاب الذي وقع النزاع فيهم بين الفريقين غير ما عند الإمامية والمذكور في كتب أهل السنة لا يقوم حجة عليهم فلا فائدة في ذكرها مع أنها معارضة بما ذكر فيها من نقايصهم ومطاعنهم كما مر وسيجئ وإذا تعارضا تساقطا وأما ثانيا فلأن قوله ولكن يشترط في ذكر الفضايل أن يروي من الصحاح المعتبرة أيضا مدفوع بأن الصحاح المعتبرة لا ينحصر فيما زعمه ويشعر به كلامه من صحيحي البخاري ومسلم غاية الأمر أن الكتابين عند المتأخرين من أصحابه أصح عما عداها وكيف يمكن الحكم بنفي اعتبار غيرهما مع أن الفقهاء الأربعة لتقدم زمانهم على البخاري ومسلم وكتابيهما لم يشترطوا على أنفسهم استنباط الأحكام الشرعية عما أورداه في كتابيهما ومن أين علموا أن الأحاديث الذي يجمعا هذان الرجلان في كتابيهما بعد مائة سنة ماذا هل استنبطوا أكثر الأحكام الفقهية من الأحاديث المرسلة وغيرها التي لا يوجد أثر عنها في صحاحهم الست المشهورة كما لا يخفى على من تتبع كتبهم الفقهية سيما كتاب المحلى لابن حزم الأندلسي وأيضا إنما كان من يصح اشترط ذلك لو كان الكتابان المذكوران جامعين لجميع ما في الصحاح الأخر بل لجميع الصحاح المتفرقة في ساير كتب الحديث وليس كذلك لأن كتاب البخاري مشتمل على أربعة آلاف حديث بعد إسقاط المكررات وقد نقل عنه أنه كان يحفظ مائة ألف حديث وقس على هذا مسلم وغيره جمعا وحفظا مع تداخل أحاديث جوامعهم في الأكثر وقال النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم أن البخاري ومسلما لم يلتزما استيعاب الصحيح بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وأنهما قصدا جمع جمل من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسايله لا أنه يحضر جميع مسائله انتهى وهل يجوز المسلم الذي آمن بما جاء به الرسول (ص) من السنة خصوصا العلماء المجتهدون أن يتركوا تتبع مائة ألف حديث من صحاح أحاديث النبي (ص) بل أضعاف ذلك ويقتصروا في تحقيق العقايد والأحكام والآثار الشرعية على نحو أربعة آلاف حديثا وضعفها مع ظهور عدم وفائها بعشر عشير من أحكام المكلفين ويحكموا بعدم اعتبار غيرها مما ذكر في جامع آخر من كتب أهل السنة ويعدلوا عن ذلك إلى التمسك بالقياس والاستحسان الذين هما من حجج الشيطان على أن النووي قال أنه قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا بشرطهما فمنها كتاب الحاكم أبو عبد الله الضبي ومنها كتاب الدارقطني وكتاب أبي علي الغساني وأبي مسعود الدمشقي وابن حزم الأندلسي بل رد ابن حزم في كتابه على كثير من روايات البخاري ونسبه في بحث القسامة من كتاب المحلى إلى الرواية عمن يضع الحديث فيرتفع الاعتماد على اعتبار من قصدهم الناصب من علماء أصحابه ويتعذر؟؟؟
الأحاديث بعد خراب البصرة وتعارضا الخذلان والنصرة وأيضا أن ما نقله الكرماني في فواتح شرحه للبخاري عن كتاب التعديل و الجرح لرجال البخاري تأليف الحافظ أبي الوليد سليمان الباجي المعزلي يدل على أن كتاب البخاري لم يتم في حياته بل كانت مسودة عند موته فزاد فيه الفريري وغيره من أهل ما وراء النهر ونقصوا حيثما اقتضاه آرائهم حيث قال الحافظ المذكور أخبرنا أبو ذر عبد بن محمد بن أحمد الهروي حدثنا أبو إسحاق المسمى إبراهيم بن أحمد قال انتسخت كتاب البخاري من أصله كان عند محمد بن يوسف الفريزي فرأيته لم يتم بعد وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة منها تراجيم لم يثبت بعدها شيئا ومنها أحاديث لم يترجم عليها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض قال ومما يدل على صحة هذا القول إن رواية أبي إسحاق ورواية أبي محمد ورواية أبي الهشم ورواية أبي زيد وقد نسخوا من أصل واحد فيها التقديم والتأخير وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة ورقعة مضافة إنه من موضع ما فأضافه ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث انتهى على أن الرجلان كما كانا أحفظ أهل زمانهما كذلك كانا أحمقهم فإن الحماقة قلما ينفك عن صاحب الحفظ الكثير لندرة اجتماع الحفظ مع الفهم والذكاء كما برهن عليه الحكأ ودل عليه الاستقراء أما البخاري فقد علم حماقته مجملا من المعاتبة الجارية بين الفاضل التفتازاني وبين أبي مسعود البخاري حيث كتب البخاري إلى ذلك الفاضل شيئان لا يجتمعان الإنسانية والخراسانية فكتب في جوابه شيئان لا يفترقان الحمارية والبخارية وكذا يعلم ذلك مجملا من الشعر الذي نسبه مؤلف كتاب روح الروح إلى أبي بكر الكاتب في ذم بخارا وهو قوله شعر لو الفرس العتيق أتى بخارا لصار فيها بطيعها حمارا فلم تر مثلها عيني كنيفا تبوأها أمير الشرق دارا ومن أن الله تعالى مسخ من مسخ من
পৃষ্ঠা ১৯৪