ما المصدر في كلام العرب من طريق اللغة؟ فقال: المصدر المكان الذي يصدر عنه، كقولنا مصدر الإبل وما أشبهه. ثم نقول مصدر الأمر والرأي تشبيها والمصدر أيضًا هو الذي يسميه النحويون مصدرًا، كقولنا ضرب زيد ضربا ومضربا وقام قياما ومقاما وما أشبهه، والمفعل يكون مكانا ومصدرا. قلت له: فإذا كان كذلك فلم زعم الفراء أن المصدر مصدر الفعل؟ وبأي قياس جعله بمعنى الفاعل، وقد صح عندك أنه يكون مفعولًا به بمعنى مصدر أو مكان كما ذكرت؟ وهل يُعرف في كلام العرب مفعل بمعنى الفاعل، فيكون المصدر ملحقا به؟ فقال: ليس هو كذلك عند الفراء، إنما هو عنده بمعنى مفعول، كأنه أصدر عن الفعل، لا إنه هو صدر عنه، فهو بمعنى مفعول، كما قيل هذا مركب فاره، ومعناه مركوب فاره، ومشرب عذب، ومعناه مشروب عذب. قال الشاعر:
(وقد عاد عذب الماء بحرًا فزادني ... على ظمئي أن أبحر المشرب العذب).
أراد المشروب العذب. يقال أبحر الماء واستبحر إذا صار ملحًا غليظًا. قلت له: ليس يجب أن يجعل دليله على صحة دعواه ما ينازع فيه، ولا يسلم له، ولا يجده في كلام العرب.
قال: فأين وجه المنازعة ها هنا؟ قلت له: اجتماع النحويين كلهم على أن المفعل (يكون بمعنى المصدر والمكان. فالمأكل) يكون بمعنى الأكل والمكان والمشرب بمعنى الشرب والمكان، ومنه قيل رجل مقنع أي مقنوع به، وليس في كلام العرب مفعل للمفعول به ليس فيه مَكرم بمعنى مُكرم، ولا معطى
1 / 62