150

* ميمون بن مهران قال: دخلت على عمر بن عبدالعزيز وقد ألقى ثوبه على وجهه، ثم كشفه، ثم ألقاه، ثم أني ظننت أنه قد رقد، فإذا هو يبكي من تحت الثوب، ثم قال: عبد نبطي بطين يتمنى على الله منازل الصالحين ثم قال: حدثت أنه كان في بني إسرائيل ملكان أخوان، وكان أحدهما صالحا والآخر مقصرا مفرطا فكتب المقصر إلى أخيه وعظم في كتابه أمر الملوك، فأجابه الصالح: أما ما عظمت من أمر الملوك فقد عظمت صغيرا، ورفعت حقيرا، وليس عظيما من خلق من تراب وإلى التراب يعود وكيف يكون عظيما من أوله نطفة؟ وقد رأيت قذر النطفة ومهانتها، ثم هو غدا جيفة يفر منه الأهل، ويقذره السباع والدواب. أم كيف يكون ملكا من تصرعه الأمراض والأوجاع حتى تدعه خاشعا ذليلا؟ يتقلب فيها أسيرا مهانا مضطرا لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا يملك له أحد. أم كيف يكون ملكا؟ من لا يأمن أن يسلب عقله وسمعه ولسانه؟ حتى يعيش وبه من الزمانة والبلى ما قد رأى بمثله من الناس أم كيف يكون ملكا من لا يأمن طعامه ولا شرابه ولا لذته ولا عيشه، ثم هو خائف لا يدري لعله في ألذه عنده وأحبه إليه يكون ميتة زائلة وحتفا قاضيا كما قال القائل:

من يأمن الدهر والأيام تطلبه يكون في الزبد أحيانا وفي العسل

أم كيف يكون ملكا من لا يأمن جنوده ولا خدمه ورعيته وعدوه، أن يكون ذلك عليه قد كان يكون في مثله، فلا تجعل يا أخي الصغير عظيما، والعبد ربا، والمملوك ملكا، فإن الملك الله الأعلى الذي لا يبلى ولا يفنى.

পৃষ্ঠা ১৮২