كانت مهمة قاسية، لقد كان علي أن أغرق مسرورا. وأرسلت الخادمة تبحث عن حجر كبير. فعادت تحمله بين ذراعيها فرحة متحمسة مقتنعة بأنها تقوم بعمل رائع وعظيم. وقذفت بالحجر في داخل الزكيبة. وارتطم برأس «مسرور» المحبوب فصرخ صرخة ضعيفة ضاعت في أعماق سجنه الصغير. ويظهر أنه أحس بمصيره، وعرف أن لا فائدة من مقاومته فلم يعد يتحرك أو يستجير. ورفعت الزكيبة وقذفت بها في الترعة فارتطمت بالماء ثم غاصت إلى قرار سحيق. ومع أني كنت مقتنعا بما فعلت، وما ندمت عليه يوما، إلا أن الحزن يعصر قلبي حين أذكر أن «مسرور» المسكين قد مات على يدي أنا دون غيري.
هذا المخلوق العزيز المغمض العينين ... من كان يصدق أنه سيصبح طاغية مخيفا؟!
ولكن هل جنى عليه أحد؟
وهل كان في وسعنا أن نفعل غير ما فعلناه؟!
1953م
مولانا السلطان
طردوني من المسرح. لم يكتفوا بطردي. شتموني ولعنوا جدودي. لم يكتفوا بهذا أيضا. صفعوني على وجهي وعيني وركلوني بالأقدام. قالوا لي: إياك أن تضع رجلك على عتبة المسرح. إياك وإلا قطعنا رأسك ورميناه للكلاب.
نكروا العيش والملح الذي أكلناه معا عشرين عاما. في عز الليل والناس نيام كسروا عظامي وأغلقوا ورائي الباب. لم يشفع لي الجري والتعب وسهر الليالي والبهدلة في بلاد الله. حتى الجمهور الذي أفنيت عمري في خدمته لم يشعر بحالي؛ فقد كنا كما قلت في عز الليل، بعد أن انصرف الناس وأغلقت الستار.
هل أحكي لكم الحكاية من أولها؟
كان ذلك منذ عشرين عاما أو يزيد حين انضممت إلى فرقة «الفنون العالمية». أقول انضممت، وأعترف بما في هذا القول من مبالغة؛ فلم أكن أعرف شيئا عن التمثيل ولا جربت الوقوف على المسرح. كنت أيامها أبحث عن عمل، أي عمل؛ فبعد أن سقطت في الابتدائية أربع مرات يئس مني أبي وقال يحرم عليك بيتي حتى تبحث لك عن عمل. جربت ألف صنعة وصنعة. تسكعت في الشوارع، نمت في الحدائق والجوامع، اشتغلت صبي نجار وسمكريا وشيالا في السكة الحديد وعتالا بالأجرة وملاحظ أنفار وفشلت فيها جميعا. عشت مع النشالين والبلطجية والقوادين ولم أفلح في أن أكون نشالا ولا بلطجيا ولا قوادا. حاولت أن أنتحر ثلاث مرات - محاولات غير جادة بالطبع - بالزرنيخ والأسبرين وصبغة اليود، ولكنهم كانوا ينقذونني في كل مرة. وحين رأيت الزفة تسير في مولد سيدي إبراهيم، معلنة بالطبل والمزمار والصياح عن فرقة الفنون العالمية قررت أن أكون ممثلا - مشيت معهم في الزفة، زعقت بأعلى صوتي وتشقلبت كالقرود وملأت وجهي بالدقيق كالبهلوانات فأحبوني. وذهبت معهم إلى مدير الفرقة وقلت له: أريد أن أمثل معكم. ابتسم حين رآني أمامه ثم مسح على وجهه وقال : الإرادة لا تهم. المهم أن تكون ممثلا. لم أفهم، فصحت من جديد: أريد أن أمثل معكم! قال بعد أن قطب جبينه: المهم هو الموهبة. ماذا تستطيع أن تمثل؟ قلت: أمثل دور رجل يموت (كنت قد رأيت الموت بعيني أكثر من مرة وجربت أثر السكاكين في بطني عندما كنت أحاول الانتحار). قال ضاحكا: طيب فرجنا على شطارتك. فارتميت على الأرض وبدأت أتأوه وأئن وأمد ذراعي إلى الأمام والخلف، وأرسم على وجهي كل ما أستطيع من علامات الألم. ويظهر أنني كنت ساذجا في التمثيل؛ إذ سمعت المدير يقول: هل تموت أم تتثاءب؟ قم رح لحالك! تشنجت وتأوهت في هذه المرة تأوها يقطع القلوب وقلت وأنا أبكي: في عرضك يا سعادة المدير، جربوني ولو ليلة واحدة. قال غاضبا: ليس في روايتنا أحد يموت، إلا إذا وافقت على أن تقطع رأسك كل ليلة. صرخت: تقطعوها أو لا تقطعوها. أي دور يا سعادة المدير.
অজানা পৃষ্ঠা