20
مبدأ الأشياء، وما ينتج عنها على الترتيب الذي يلزم ذلك، فتكون هذه الأشياء مفاتح الغيب.» •••
وتوجد نظرية الكليات التي تفرعت عن نظرية العلل، وسنرى كيف يعرض ابن سينا قضاياها الجوهرية في إلهياته، ثم نوضح صلتها بمذهب العلل.
قال مؤلفنا:
21 «المعنى الكلي بما هو طبيعة ومعنى كالإنسان بما هو إنسان شيء، وبما هو عام أو خاص أو واحد أو كثير، وذلك له بالقوة أو بالفعل، شيء آخر؛ فإنه بما هو إنسان فقط بلا شرط آخر البتة شيء، ثم العموم شرط زائد على أنه إنسان، والخصوص كذلك، وإنه واحد كذلك، وإنه كثير كذلك، وليس إذا فرضت هذه الأحوال بالفعل فقط، بل وإذا فرضت هذه الأحوال أيضا بالقوة.»
والكلي بلا شرط يوجد بالفعل في الأشياء، وهو محمول على كل منها، لا لأنه واحد بالذات، ولا لأنه كثير؛ وذلك لأن هذا غير خاص به ما دام كليا، والكلي ليس في الوجود شيئا واحدا بعينه محمولا على كل واحد وقتا ما، والإنسان الذي اكتنفته الأعراض المخصصة بشخص لم تكتنفه أعراض شخص آخر حتى يكون ذلك بعينه في شخص زيد وشخص عمرو، «فلا كلي عامي في الوجود، بل وجود الكلي عام بالفعل إنما هو في العقل، وهي الصورة التي في العقل التي نسبتها بالفعل أو بالقوة إلى كل واحد واحدة.»
والخلاصة، هي - كما هو معلوم - أن مفهوم الكلي يحملنا على التمييز بين نوعي وجود، وهما: الوجود في الذهن، والوجود في الحقيقة الخارجية، وكذلك كان مفهوم القوة قد حملنا على تمييز نوعي وجود، وهما: الوجود بالقوة والوجود بالفعل، ولو نظر إلى هذه المذاهب الخاصة بالقرون القديمة والقرون الوسطى - من حيث الأساس - لرئي أن مفهوم الوجود ليس مطلقا، فالوجود ليس أمرا معينا تعيينا دقيقا، كما نشعر به وفق عاداتنا الوضعية والدكارتية، فيوجد وجوه كثيرة للوجود ووجوه كثيرة لعدم الوجود، وعاد الوجود والعدم لا يكونان حدين متناوبين حتما، فكأنه يمتد ظل خفيف بين الوجود وعدم الوجود.
22
ولذا فإنه منذ أخذ في البحث عن علل الأشياء وصل إلى التفريق بين درجات الوجود المختلفة هذه، وإذا ما توخينا زيادة دقة في التعبير وجدنا أن مذهب ابن سينا انتهى إلى التفريق بين ماهية الشيء ووجوده؛ فالماهية؛ أي الشيء بعينه هو - في مفهومه وتعريفه - غير التحقيق العيني الخارجي لهذا الشيء في الوجود؛ ومن ثم يكون للشيء علة لماهيته وعلة أخرى لوجوده.
قال المؤلف:
অজানা পৃষ্ঠা