ونرى أن ابن رشد يقول هنا إن المسألة غير برهانية، ولكن فلاسفة الأوروبيين في القرون الوسطى يعيدون هذا القول ويحسبونه ردا عليه، كما فعل القديس توما الإكويني
6
في الفصل الذي عقده على مبادئ الخليقة من كتابه مجمل اللاهوت
The Summa Theologiea
فإنه ذكر قول أرسطو في قدم العالم، ثم أشار إلى كلام له في كتاب الجدل، فقال: «والوجه الثالث - أي من وجوه الرد على قدم العالم - أنه قال صريحا: إن ثمة مسائل جدلية لا يتأتى حلها بالبرهان كمسألة قدم العالم.»
وقد ردد ابن رشد نقده لبراهين معارضيه فقال: «إن الطرق التي سلك هؤلاء القوم في حدوث العالم قد جمعت بين هذين الوصفين معا، أعني أن الجمهور ليس في طباعهم قبولها، ولا هي مع هذا برهانية؛ فليست تصح لا للعلماء ولا للجمهور.»
7
وتناول في كتابه «منهاج الأدلة» هذا المبحث من رسالة أبي المعالي الموسومة بالنظامية، حيث يقول أبو المعالي: «... إن العالم بجميع ما فيه جائز أن يكون على مقابل ما هو عليه حتى يكون من الجائز مثلا أصغر مما هو، وأكبر مما هو، أو بشكل آخر غير الذي هو عليه، أو عدد أجسامه غير العدد الذي هو عليه، أو تكون حركة كل متحرك منها إلى جهة ضد الجهة التي يتحرك إليها، حتى يمكن في الحجر أن يتحرك إلى فوق، وفي النار إلى أسفل ... وإن الجائز محدث وله محدث، أي: فاعل صيره بإحدى الحالتين.»
فأجاب ابن رشد على هذا بما فحواه أن المصنوع لحكمة إنما يكون على الوجه الذي يحقق تلك الحكمة، ولا يكون عبثا - تنزه الخالق عن العبث - ثم قال: إن «ما يعرض للإنسان في أول الأمر عند النظر في هذه الأشياء شبيه بما يعرض لمن ينظر في أجزاء المصنوعات من غير أن يكون من أهل تلك الصنائع، وذلك أن الذي هذا شأنه قد سبق إلى ظنه أن كل ما في تلك المصنوعات أو جلها ممكن أن يكون بخلاف ما هو عليه، ويوجد عن ذلك المصنوع ذلك الفعل بعينه الذي صنع من أجله - أعني غايته - فلا يكون في ذلك المصنوع عند هذا موضع حكمة، وأما الصانع والذي يشارك الصانع في شيء من علم ذلك، فقد يرى أن الأمر بضد ذلك، وأنه ليس في المصنوع إلا شيء واجب ضروري، أو ليكون به المصنوع أتم وأفضل إن لم يكن ضروريا فيه، وهذا هو معنى الصناعة والظاهرات المخلوقات شبيهة في هذا المعنى بالمصنوع، فسبحان الخلاق العظيم».
8
অজানা পৃষ্ঠা