رجل الأسرار
معارف محيي الدين أمة قائمة بذاتها، معارف شاملة، محيطة بكل ما في هذا الكون من ألوان العلوم والمعارف.
ومحيي الدين مقتحم غواص، يدفع بقلمه العبقري إلى النقطة الصغيرة، التي تكاد لا ترى فيجول بقلمه فيها، فإذا بها تكبر وتتسع حتى تتحول إلى دائرة كبرى، تضم بين محيطها أقصى ما يتصور الخيال من ألوان وفنون.
وإذا تناول هذا الملهم الفياض مسئلة من المسائل، عرض لها من وجهة العلم الظاهري، ثم ينتقل إلى أسرارها في الباطن فترى عجبا، وسواء لديه أكانت أحاديثه في الفقه والتوحيد، أم في السحر والهندسة؛ فلكل علم ظاهره وباطنه، وواضحه وسره، وخيره وشره.
فإذا حدثك عن الطهارة في الفقه مثلا لخص لك أقوال علماء الظاهر، ثم انتقل إلى معارف الباطن؛ حيث يقول: «اعلم أن الطهارة في طريقنا طهارتان: طهارة غير معقولة المعنى، وهي الطهارة من الحدث، والحدث نفسي للعبد، فكيف يمكن أن يتطهر الشيء من حقيقته؟ فإنه لو تطهر من حقيقته انتفت عينه، وإذا انتفت عينه فمن يكون مكلفا بالعبادة؟ ولهذا قلنا: إن الطهارة من الحدث غير معقولة المعنى، فصورة الطهارة من الحدث عندنا، أن يكون الحق سمعك وبصرك في جميع عباداتك.»
وإذا حدثك عن السحر، وهو علم مرقوم في رق الكون، عرض عليك أقوال رجاله، ثم ولى بوجهه إلى مملكة الباطن، فإذا السحر هناك مشتق من السحر ، أي: الوقت الذي بين الظلمة والنور؛ ولهذا فهو باطل وحق، ومباح وحرام، وهدى وضلال، والفيصل في الأمر ميزان الشرع؛ فكل ضرر محرم، وكل نفع مشروع.
فإذا تهادن محيي الدين مع العلم الظاهر، وأقبل على الأسرار اللدنية وحدها؛ فهذا هو المحراب والهيكل الذي لا يلجه إلا أربابه، وما لآذاننا طاقة بما يتلى فيه.
وإذا أردت قطرة من هذا البحر، فلمحيي الدين كتاب مخطوط بدار الكتب المصرية يسمى «بالشجرة النعمانية»، وما أدراك ما الشجرة النعمانية؟! كتاب بين دفتيه أسرار وأسرار، من بعضها: حديث عجيب عن ملوك الإسلام من عصره إلى قيام الساعة! والأحداث الكبرى التي تمر بالأمة الإسلامية، وغير هذا وذاك مما تضيق عنه معارفنا، وقد تضيق عنه عقولنا.
ولقد خلف محيي الدين ثروة من كتب الأسرار لم تطبع إلى يومنا، ثروة بددتها الأعاصير، وذهبت بها غفلة العالم الإسلامي؛ فضاع جانب لا يعوض من تراث أكبر عباقرة رجال التصوف، وأعظم كتاب للأسرار في المحيط المحمدي.
الشيخ الأكبر
অজানা পৃষ্ঠা