(171) فهذه أربعة أمكنة يستعمل فيها حرف " ما " على جهة السؤال. ويعمها كلها أنه يطلب بها معرفة ذات الشيء المسؤول عنه وأن يتصور ذاته وأن يعقل ذاته معقولة. ويعمها أنها كلها ليس يمكن أن يسأل عنها إلا وقد عرف المسؤول عنه وتصور مقدارا ما من التصور أو عقل إلى مقدار ما، ويلتمس فيه أن يعقل أكمل من ذلك المقدار وأن يتصور بمقدار أزيد من ذلك التصور من ذلك المحسوس المسؤول عنه بحرف " ما " . فإنه إذا عقل وتصور أنه " شيء " وأنه " أسود " وأنه " متحرك " فقد تصور بأبعد ما يمكن ان يتصور به الشيء وأنقصه. فإن " الشيء " هو أبعد ما يمكن أن يتصور به " الأسود " ، وأنه " أسود " فإنه أبعد عرض يمكن أن يتصور به " المتحرك " . وأنه " متحرك " فإنه أيضا عرض بعيد من ذات المسؤول عنه. فإن القائل " ما ذلك المتحرك " يسأل عن ذلك الشيء الذي يراه متحركا أو أسود. على أن معنى المتحرك غير معنى ذلك الذي علامته في أبصارنا أنه متحرك. وقد يسأل في مثل هذا المكان " ما الحيوان الذي نراه " و" ما الجسم الذي نلمسه " ، فيكون مثل قولنا " ما ذلك الشيء الذي نراه " - غير أن " الشيء " هو أعم من " الحيوان " و" الحيوان " أخص من " الشيء " - فإن هذه كلها إنما تصور الشيء بجنسه فقط. ومن جهل ذلك المرئي فإما أن يجاب بنوعه من حيث يدل عليه اسمه أو من حيث يدل عليه حده. فالمسؤول عنه بحرف " ما " في هذين هو معروف لا محالة حين ما يسأل عنه معرفة أنقص، إما بجنسه الأبعد جدا أو بجنسه الأقرب، أو ما يقوم في العموم مقام جنسه الأبعد أو بحال له خارج عن ذاته، مثل أنه " متحرك " أو أنه " أسود " أو غير ذلك من أعراضه. وكذلك النوع المسؤول عنه، فإنه عرف وتصور وعقل ما يدل عليه اسمه، وهو التصور المجمل. ويكون عرف ذلك النوع بعلامة له ليست هي ذاته ولا جزء ذاته بل بعرض له لازم، فظن أن تلك الصفة أو الصفات التي عرفه بها هي التي إذا عقلت تكون ذاته معقولة. مثل أن يكون " الإنسان " عنده معقول بشكل جسمه؛ ثم يرى أن الإنسان يتكلم ويروي ويعقل ويحوزالصنائع لا لشكل جسمه - إذ كان بعد أن يموت يكون شكل جسمه على حاله - ويرى أن تصوره له بصفته هذه ليست كافية في أن يعقل ذاته، فيسأل حينئذ عنه " ما هو " فيلتمس بسؤاله أن يعقل ذاته، إذ كان ليس يرى أنه عقل ذاته أو ذاته على التمام إذا عقل منه شكل جسمه. وكذلك في شيء شيء من سائر الأنواع إذا كان يعقل ما يدل عليه اسمه بعلامة أو صفة إذا تعقبت يتبين أنها ليست هي كافية في أن تحصل ذاته بها معقولة، سأل حينئذ " ما هو ذلك النوع " فيجاب إما بجنسه وإما بحده فإذا أجيب بما هو له حد لم يبقى بعدها لسؤال " ما هو " موضع أصلا. وكذلك متى جهل معنى لفظةما فسأل عنه ب " ماهو " . فقد عرف أنه " شيء " وتصوره بأعم ما يمكن أن يتصور به الشيء ولم يكن تصوره بصورته التي تخصه، وهو نوع ذلك الشيء. فإذا أجيب عنه باسم له آخر وبقول يشرح به معنى ذلك الاسم فقد بلغ ما التمسه. وكذلك " ما حالك يا فلان " و" ما حالك يا زيد " فإنه مثل قولك " ما ذلك الحيوان الذي نراه " . فإنه يكون قد عرف في كل هذا جنس ذلك الشيء وجهل نوعه. فإنه إنما يسأل عن نوع الحال التي هي حاله وعن نوع الحيوان الذي نراه.
(172) واستعمال السؤال ليس إنما يكون عند مخاطبة الإنسان الآخر، لكن عندما يروي الإنسان فيما بينه وبين نفسه أيضا. فإنه قد يسأل نفسه وهو نفسه يجيب عن شيء شيء من هذه فيما بينه وبين نفسه. وليس يلتمس أن يستفيد من تلقاء نفسه إلا ذلك العلم الذي كان يؤمل أن يستفيده من غيره إذا سأله عنه.
পৃষ্ঠা ৫৪