(169) وقد يقرن حرف " ما " بلفظ مفرد علم أنه دال على شيء ما، غير أنه لم يعلم النوع والجنس الذي هو دال عليه أولا، وإنما يلتمس به تفهم معنى النوع الذي يدل عليه ذلك اللفظ وتصوره وإقامته في النفس. فإن كان السائل عرف ذلك النوع وتصوره باسم له آخر وعلم المجيب له ذلك، عرفه. وإن لم يكن تصور معنى ذلك النوع أصلا ولاكان رأى شيئا من أشخاصه - كما يلحق كثيرا من الأمم أن لا يرى أحد منهم فيلا أصلا ولا جملا - اضطر المسؤول عند ذلك إلى أن يعرفه بقول مشتمل على صفات يؤلف بعضها إلى بعض إلى أن تجتمع من جملة ما يؤلفه صورة ذلك المسؤول عنه في نفس السائل، فيحصل في نفسه معنى ما مركب عن صفات يقرن بعضها ببعض ويفهم معنى الاسم ملخصا بأجزائه. غير أنه قد يتفق أن يكون ما تصوره في نفسه من ذلك وفهمه عن الاسم معنى غير معلوم هل هو موجود أم لا، مثل ما لو لخص معنى الفيل عند من لم يشاهدهلأمكن أن لا يقع له التصديق بوجوده ولا يدري هل ما هو كذا وبهذه الصفات موجود أم لا. وقد يتفق أن يكون ذلك قولا يفهم ويلخص شيئا يمكن أن يتصور ولكن يكون غير موجود، مثل تماثيل الحمامات التي يصورها المصورون، فإنها معان تقوم صورها في النفس لكنها غير موجودة. فتكون الأقاويل التي تركب للدلالة عليها تدل على أشياء غير موجودة، ويكون كثير من هذا الصنف أقاويل تدل ما لا يدرى هل هي موجودة أم لا. وأمثال هذه فليست حدودا إلا على جهة المسامحة والتجوز، بل تسمى " الأقاويل التي تشرح الأسماء " . ولذلك تستعمل هذه الأقاويل في مبادئ الفحص عن الأمور المفردة في المطلوبات وعن الأمور التي يكفي في وجود قياساتها ما يفهم عن أسمائها منذ أول الأمر، وفي إبطال الأشياء التي ظن قوم من الناس أنها موجودة - مثل الخلاء، فإنه يجب أن يفهم ما معنى هذه اللفظةعند من يعتقد وجود الخلاء. وكذلك إذا فحص الإنسان هل القوة المدبرة في الدماغ أو لا، فإنه ينبغي أن يلخص بالقول ما معنى القوة المدبرة. وإذا فحصنا هل العالم كري الكل، فينبغي أن نلخص القول ما معنى العالم. فإن هذه كلها أقاويل تشرح الأسماء قد تسمى على التجوز والاتساع في العبارة حدودا. وإنما يلتمس بهذه الأقاويل تحصيل معاني تلك الألفاظ متصورة بأجزائها التي إذا ألفت حصل منها معنى معقول ملخص مشروح بأجزائه التي يصير بها معقولا متصورا في النفس فقط. فتكون تلك الأجزاء بها قوامه من حيث هو معقول أو متصور في النفس، إذ بها قوامه في النفس. فإذا تبين بعد ذلك أن المعنى المدلول عليه بذلك الاسم موجود، وأن تلك الأشياء التي بها قوامه معقولا في النفس أيضا بأعيانها خارج النفس، عاد ذلك الذي كان قولا يشرح المعنى فصار حدا، إذ كانت تلك ماهيته. وإن تبين أن ذلك غير موجود بقيت تلك الأجزاء التي بها قوامه في النفس فقط ولم يكن ما دل عليه ذلك القول ماهية شيء أصلا. وتلك الأشياء التي بها قوام الشيء من خارج النفس متى أخذت من حيث هي معقولة ومن حيث هي معقول ذلك الشيء قيل فيه إنه ماذا هو الشيء، ومتى أخذت من حيث هي قوام ذلك الشيء من خارج قيل فيه إنه بماذا هو الشيء.
(170) وقد يستعمل حرف " ما " في مثل قولنا " ما ذلك الحيوان الذي يكون في الهند " و" ما النبات الذي يكون بلاد اليمن " و" ما الحجر الذي قيل إنه ببلاد تهامة " . ومن هذا الصنف قولنا " ما لك " و" ما حال زيد " و" ما خبر فلان " و" ما المال الذي عندك " و" ما الحيوان الذي ملكته " . فإن هذه كلها أيضا يقترن فيها حرف " ما " بجنس الشيء، وذلك متى عرف الشيء بجنسه ولم يعرف النوع الخص الذي هو منسوب إلى الذي أخذ منسوبا إليه، فإنه إنما يكون إذا جهل النوع ولم يتصور، وعرف بجنسه الذي يعمه وغيره، والتمس أن يتصور ذات ذلك النوع خاصة. فإن قولك " ما مالك " يعنى به ما النوع الذي تملك من المال. وكذلك " ما حالك " ، فإنه عرف أن له نوعا من أنواع الحال ولم يفهم ذاته ولم يتصور فقيل " ما النوع الذي هو لك من أنواع الحال " ، وكذلك " ما ذلك النبات الذي يكون باليمن " يعنى به ما النوع الذي يكون خاصة من أنواع النبات.
পৃষ্ঠা ৫৩