اختراع الأسماء ونقلها
(154) فإذا حدث ملة في أمة لم تكن لها ملة قبلها ولم تكن تلك ملة لأمة أخرى قبلها، فإن الشرائع التي فيها بين أنها لم تكن معلومة قبل ذلك عند تلك الأمة، ولذلك لم تكن لها عندهم أسماء. فإذا احتاج واضع الملة إلى أن يجعل لها أسماء فإما أن يخترع لها أسماء لم تكن تعرف عندهم قبله وإما أن ينقل إليها أسماء أقرب الأشياء التي لها أسماء عندهم شبها بالشرائع التي وضعها. فإن كانت لهم قبلها ملة أخرى فربما استعمل أسماء شرائع تلك الملة الأولى منقولة إلى أشباهها من شرائع ملته. فإن كانت ملته أو بعضها منقولة عن أمة أخرى فربما استعمل أسماء ما نقل من شرائعهم في الدلالة عليها بعد أن يغير تلك الألفاظ تغييرا تصير بها حروفها وبنيتها حروف أمته وبنيتها ليسهل النطق بها عندهم. ولإن حدث فيهم الجدل والسوفسطائية واحتاج أهلها إلى أنينطقوا عن معان استنبطوها لم تكن لهاعندهم أسماء، إذ لم تكن معلومة عندهم قبل ذلك، فإمااخترعوا لها ألفاظا من حروفهم وإما نقلوا إليها أسماء أقرب الأشياء شبها بها. وكذلك إن حدثت الفلسفة احتاج أهلها ضرورة إلى أن ينطقوا عن معان لم تكن عندهم معلولة قبل ذلك، فيفعلون فيها أحد ذينك.
(155) فإن كانت الفلسفة قد انتقلت إليهم من أمة أخرى، فإن على أهلها أن ينظروا إلى الألفاظ التي كانت الأمة الأولى تعبر بها عن معاني الفلسفة ويعرفوا عن أي معنى من المعاني المشتركة معرفتها عند الأمتين هي منقولة عند الأمة الأولى. فإذا عرفوها أخذوا من ألفاظ أمتهم الألفاظ التي كانوا يعبرون بها عن تلك المعاني العامية بأعيانها، فيجعلوها أسماء تلك المعاني من معاني الفلسفة. فإن وجدت فيها معان نقلت إليها الأمة الأولى أسماء معان عامية عندهم غير معلومة عند الأمة الثانية وليس لها عندهم لذلك أسماء، وكانت تلك المعاني بأعيانها تشبه معان أخر عامية معلومة عند الثانية ولها عندهم ألفاظ، فالأفضل أن يطرحوا أسماءها وينظروا إلى أقرب الأشياء شبها بها من المعاني العامية عندهم فيأخذوا ألفاظها ويسموا بها تلك المعاني الفلسفية. وإن وجدت فيها معان سميت عند الأولى بأسماء أقرب الأشياء العامية شبها بها عندهم وعلى حسب تخيلهم الأشياء، وكانت تلك المعاني الفلسفية أقرب شبها عند الأمة الثانية على حسب تخيلهم للأشياء بمعان عامية أخرى غير تلك، فينبغي أن لا تسمى عند الأمة الثانية بأسمائها عند الأمة الأولى ولا يتكلم بها عند الأمة الثانية. فإن كانت فيها معان لا توجد عند الأمة الثانية معان عامية تشبهها أصلا - على أن هذا لا يكاد يوجد - فإما أن تخترع لها ألفاظ من حروفهم، وإما أن يشرك بينها وبين معان أخر - كيف اتفقت - في العبارة، وإما أن يعبر بها بألفاظ الأمة الأولى بعد أن تغير تغييرا يسهل به على الأمة الثانية النطق بها.ويكون هذا المعنى غريبا جدا عند الأمة الثانية، إذ لم يكن عندهم لا هو ولا شبهه. وإن اتفق أن كان معنى فلسفي يشبه معنيين من المعاني العامية، ولكل واحد منهما اسم عند الأمتين، وكان أقرب شبها بأحدهما، وكانت تسميتها له باسم الذي هو أقرب شبها به، فينبغي أن يسمى ذلك باسم ما هو أقرب شبها به.
পৃষ্ঠা ৪৬