(139) فالمعتنون بها فالمعتنون بها يعدون إذن مع الجمهور، إذ كان ليس معاني ولا واحد منهم بصناعته هي من الأمور النظرية ولا شيئا من الصناعة التي هي رئيسة الصنائع على الإطلاق. وقد لا يمتنع أن يكون رؤساء وصنائع رئيسة - وهي الصنائع التي بها يتأتى تدبير أمورهم - وهي إما صناعة تحفظ عليهم صنائعهم التي يزاولونها ليبلغ كل واحد مما يزاوله منها غرضه به ولا يعتاق عنه، وإما صناعة يستعملهم بها رئيسهم في صنائعهم ليبلغ بهم غرضه وما يهواه لنفسه من مال أو كرامة. ويكون منزلته منهم منزلة رئيس الفلاحين. وذلك أن رئيس الفلاحين تكون له قدرة على جودة التأتي لأن يستعمل الفلاحين وجودة المشورة عليهم في الفلاحة ليبلغوا غرضهم بأصناف فلاحتهم أو ليبلغ هو بأصناف فلاحتهم غرضه وما يلتمسه، فهكذا هو يعد أيضا منهم. وعلى هذا المثال يكون رئيس الجمهور ومدبر أمورهم فيما يستعملهم فيه من الصنائع العملية وفيما يحفظ عليهم صنائعهم وبالجملة استعمالهم فيها لأنفسهم أو لنفسه أو لهم وله. فهو أيضا منهم، إذ كان غرضه الأقصى هو غرضهم أيضا بصناعته، إذ هي بعينها صناعتهم في الجنس والنوع، إلا أنها أسمى ما في ذلك الجنس أو النوع. فإذن رؤساء الجمهور الذين يحفظون عليهم الأشياء التي هم بها جمهور ويستعملونهم في التي هم بها جمهور هم من الجمهور، إذ كان الرئيس غرضه في حفظها عليهم واستعمالهم فيها هو غرضهم، بأن يحصل له وحده وبأنيحصل لهم، فهو منهم. فإذن رؤساء الجمهور الذين هكذا هم من الجمهور أيضا. فهذه صناعة أخرى من صنائع الجمهور. وهي أيضا صناعة عامية، إلا أن أصحابها والمعتنين بها يجعلون أنفسهم من الخواص. فإذن ملوك الجمهور هم أيضا من الجمهور.
الفصل الثالث والعشرون:
حدوث الصنائع القياسية في الأمم
(140)فإذا استوفيت الصنائع العملية وسائر الصنائعالعامية التي ذكرناها اشتاقت النفوس بعد ذلك إلى معرفة أسباب الأمور المحسوسة في الأرض وفيما عليها وفيما حولها وإلى سائر ما يحس من السماء ويظهر،وإلى معرفة كثير من الأمور التي استنبطتها الصنائع العملية من الأشكال والأعداد والمناظر في المرايا والألوانوغير ذلك. فينشأ من يبحث عن علل هذه الأشياء. ويستعمل أولا في الفحص عنها وفي تصحيح ما يصحح لنفسه فيها من الآراء وفي تعليم غيره وما يصححه عند مراجعتهالطرق الخطبية لأنها هي الطرق القياسية التي يشعرونبها أولا. فيحدث الفحص عن الأمور التعاليمية وعن الطبيعة.
(141) ولا يزال الناظرون فيهايستعملون الطرق الخطبية، فتختلف بينهم الآراء والمذاهب وتكثر مخاطبة بعضهم بعضا في الآراء التي يصححها كل واحد لنفسه ومراجعة كل واحد للآخر. فيحتاج كل واحدإذا روجع فيما يراه مراجعة معاندةأن يوثق ما يستعمله من الطرق ويتحرى أن يجعلها بحيث لا تعاند أو يعسر عنادها. ولا يزالون يجتهدون ويختبرون الأوثقإلى أن يقفوا على الطرق الجدلية بعد زمان. وتتميز لهم الطرق الجدلية من الطرق السوفسطائية، إذ كانوا قبل ذلك يستعملونها غير متميزتين، إذ كانت الطرق الخطبية مشتركة لهما ومختلطة بهما،فترفض عند ذلك الطرق الخطبية وتستعمل الجدلية. ولأن السوفسطائية في الفحص عن الآراء وفي تصحيحها.ثم يستقر في النظر في الأمور النظرية والفحص عنها وتصحيحها على الطرق الجدلية وتطرح السوفسطائية ولا تستعمل إلا عند المحنة.
(142) فلا تزال تستعمل إلى أن تكمل المخاطبات الجدلية، فتبين بالطرق الجدلية أنها ليست هي كافية بعد في أن يحصل اليقين. فيحدث حينئذ الفحص عن طرق التعليم والعلم اليقين، وفي خلال ذلك يكون الناس قد وقعوا على الطرق التعاليمية وتكاد تكتملأو تكون قد قاربت الكمال، فيلوح لهم مع ذلك الفرق بين الطرق الجدلية وبين الطرق اليقينيةوتتميز بعض التمييز ويميل الناس مع ذلك إلى علم الأمور المدنية، وهي الأشياء التي هي مبدؤها الإرادة والاختيار. ويفحصون عنها بالطرق الجدلية مخلوطة بالطرق اليقينية وقد بلغ بالجدلية أكثر ما أمكن فيها من التوثيق حتى كادت تصير علمية. ولاتزال هكذا إلى أن تصير الحال في الفلسفة إلى ما كانت عليه في زمن أفلاطون.
পৃষ্ঠা ৪৩