والوجه الثاني - وهو الأشبه عندي -: أن يكون أراد أن الإنسان جاهل بعواقب الأمور، يدبر فيخونه القياس والتدبير، فيكون كقوله تعالى: " " وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم ".
ونحو قول أبي العتاهية:
وقد يَهلِكُ الإنْسانُ مِنْ وَجهٍ أمينة ... وينجو بإذن الله من حيث يحذر
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
ثُمَّ زَادُوا أنَّهُمِ في قَومِهِمْ ... غُفُرٌ ذنْبَهُمُ غَيْرُ فُخُرْ
هذا البيت: من مشهور شعر طرفة.
ويروي: فجر بالجيم، وهو جمع فجور، وهو الكثير الفسق ويكون الكثير الكذب، لأنه يقال: فجر الرجل إذا كذب.
ويروى أن أعرابيًا أتى عمر بن الخطاب ﵁ فقال: إن ناقتي قد نقبت ودبرت فاحملني.! فقال: والله ما بناقتك نقب، ولا دبر! فقال الأعرابي:
أقْسمَ بالله أبو حفص عمرْ ... ما مسّها من نَقَبٍ ولا دَبَرْ
اغفر له اللهم إن كان فجر!.
فقال عمر: اللهم اغفر لي! ثم حمله!!.
ويروى: غير فخر بخاء معجمة، ومعناه: لا يفخرون بشرفهم، ولا يعجبون بنفوسهم، ولكنهم يتواضعون للناس، كما قال الآخر:
ألم تر قومًا غيرنا خير قومهم ... أقل به منًّا على قومهم فَخْرا
وما تَرْدَعُنَا الكِبْرِياء عليهم ... إذا كلمَّونا أن نكلمهم نَزْرا
وأنشد أبو القاسم في باب الصفة المشبهة باسم الفاعل:
لاحِقُ بَطنٍ بِقَرًا سَمِينِ
هذا البيت: لحميد الأرقط، وحميد: من الأسماء المنقولة، يحتمل أن يكون تصغيرًا مرخمًا من أحمد، أو من حامد، أو من محمود، أو من حميداء، أو من حمدان؛ فإن هذه الأسماء كلها إذا صغرت ورخمت رجعت كلها إلى حميد.
والأرقط: نحو من الأبرش، وصف حمارا.
وزعم بعض من تكلم في أبيات الجمل: أنه يصف فرسا، وذلك غلط، والدليل على أنه وصف حمارًا قوله قبله:
أقَبَّ مِيفَاء عَلَى الرُّزُونِ
أَحقبُ شَجاجٌ مِشلُّ عُونِ
والأقب: الضامر الخصرين، والميفاء المشرف، والفعل منه: أوفى والفعل الرباعي لا يبني منه مفعال؛ إنما يبني مفعال من الثلاثي، ولكنه جاء على خذف الزيادة، كما قالوا: مهاوين، جمع مهوان، وهو رجل معطاء، وهو من أعطى؛ قال الكميت:
شمٌّ مهاوينُ أبدَانَ الجزُورِ مَخَا ... مِيصُ العَشِيَّاتِ لاخُورٌ ولا قٌزُمُ
فمهاوين: جمع مهوان، وهو من أهان.
والرزون: مواضع منخفضة، يجتمع فيها الماء.
والأحقب: الذي في كفله بياض، وهو موضع الحقيبة.
ومعنى لاحق بطن: أن بطنه قد ضمر، حتى لحق بظهره، كما قال امرؤ القيس:
طواه اضمار الشّدِّ فالبطن شازِب ... مُعًَالي إلى المتنَيْن فهو خميص
والشحاج: الشديد الشحيج، وهو الصوت.
والمشل: الكثير الشلي وهو: الطرد.
والعون: جماعات الحمير، واحدتها عانة.
والقرا: الظهر.
وأنشد أبو القاسم في باب التعجب:
إذَا الرِّجالُ شَتَوْا واشتدَّ أكلُهم ... فأنتَ أبيضهم سِرْبَال طبَّاخِ
هذا البيت: لطرفة بن العبد، في شعر يهجو به عمر بن هند، وأنشده الفراء: عن الكسائي.
أما الملوك فأنْتَ اليوم ألأمهم ... لؤما وأبيضهم سربال طباخ
وأنشد أبو محمد بن رستم في شعر طرفة عن يعقوب يهجو عمرو بن هند:
أبا الجرَامِيق ترجو أن تُدينَ لكميا ابن الشَّديخ ضِياعٌ بين أجياخِ
أنتَ ابنُ هنْدٍ فَاخبر من أبوكً إذًا ... لا يُصْلِحُ الملكَ إلاّ كلُّ بَذَّاخِ
إن قُلتَ نَصْرٌ فَنَصر كانَ شرَّ فَتى ... قِدْمًا وأبيضَهم سِربَالَ طَبَّاخِ
ما في المعَالِي لَكُمْ ظِلٌّ وَلا وَرَقٌ ... وًفى المخازي لَكُم أسنَاخُ أَسناخِ
إن قسّم المجد أكْدَى عَن سرَاتِكُم ... أو قُسِّم اللُّوْم فضِّلْتمْ بأشياخِ
الجراميق: النيط، وهم قوم من العجم.
والشديخ: الذي شدخ رأسه.
والضباع: نوع من السباع عوج خلقةً، يشبه بها رهطه في الحمق، لأن الضبع يوصف بالحمق، وهي مرفوعة ب بترجوا.
والأجياخ: الحجارة - عن الطوسي.
والبذاخ: الكثير الفخر بآبائه وأفعاله.
1 / 22