ولولا أن الله تعالى أراد أن يجعل الاختلاف سببا للاتفاق والائتلاف، لما جعل واحدا قصيرا والآخر طويلا، وواحدا حسنا وآخر قبيحا، وواحدا غنيا وآخر فقيرا، وواحدا عاقلا وآخر مجنونا، وواحدا ذكيا وآخر غبيا. ولكن خالف بينهم ليختبرهم، وبالاختبار يطيعون، وبالطاعة يسعدون. ففرق بينهم ليجمعهم، وأحب أن يجمعهم على الطاعة ليجمعهم على المثوبة. فسبحانه وتعالى، ما أحسن ما أبلى وأولى، وأحكم ما صنع، وأتقن ما دبر! لأن الناس لو رغبوا كلهم عن عار الحياكة لبقينا عراة. ولو رغبوا بأجمعهم عن كد البناء لبقينا بالعراء. ولو رغبوا عن الفلاحة لذهبت الأقوات، ولبطل أصل المعاش. فسخرهم على غير إكراه، ورغبهم من غير دعاء.
ولولا اختلاف طبائع الناس وعللهم لما اختاروا من الأشياء إلا أحسنها، ومن البلاد إلا أعدلها، ومن الأمصار إلا أوسطها. ولو كانوا كذلك لتناجزوا على طلب الأواسط، وتشاجروا على البلاد العليا، ولما وسعهم بلد، ولما تم بينهم صلح. فقد صار بهم التسخير إلى غاية القناعة.
وكيف لا يكون كذلك وأنت لو حولت ساكني الآجام إلى الفيافي، وساكني السهل إلى الجبال، وساكني الجبال إلى البحار، وساكني الوبر إلى المدر، لأذاب قلوبهم الهم، ولأتى عليهم فرط النزاع.
وقد قيل: " عمر الله البلدان بحب الأوطان ".
وقال عبد الله بن الزبير رحمه الله تعالى: " ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم ".
পৃষ্ঠা ২৪৩