لقد حمل سيل التمدن الغربي فيما حمل جراثيم الزندقة والالحاد فبثها في النشأة الجديدة من أبناء المسلمين الضعفاء العقول المرني النفوس بواسطة جماعات المبشرين وقاعات المدارس وأعمدة النشريات الدورية من الصحف والمجلات فوجدت هذه الوسائط في أولئك تربة منبتة ومرعى خصيبا وقد ساعدها على تنمية هذه البذور فيها ما فتحته أمامها من أبواب المراقص والحانات وأنواع القصف والخلاعة والمجون فظنت هذه ان هذا هو عين الحضارة والرقي والتمدن الصحيح وان الدين الذي لا يوجد فيه شيء من هذا انما هو دين الجمود دين الرجعية دين مخالف للفطرة البشرية مباين لروح العصر الحاضر لا يليق الا بالأمم الهمجية في القرون الوسطى وقد بدت هذه النزعة الخبيثة في تركيا فكان من اثارها البارزة انسلاخ الكماليين من الاسلام واعلانهم اللادينية كما ظهرت بوادرها في مصر وقد حمل لواءها علي عبدالرزاق والدكتور طه حسين وسلامة موسى ومن لف لفهم وفي تونس وفي الجزائر ولها حسيس في أدمغة النشأة المدرسية وقد دخلت في الجامع الزيتوني كما دخلت في الازهر واذا لم يوضع لها حد فستصبح الجزائر وتونس عقب مصر على اثر الكماليين في اتجاه واحد في طريق واحد في آخره هوة سحيقة تبتلع كل من تطوح فيها فيصفق الشيطان واعوانه من الانس بحافتها طربا اذ انضاف الى سوادهم واحد هنالك.
ومما ينذر بما ذكرنا اتساع حركة التجنيس واخذها شكلا مخيفا ودخول جملة من ارباب الحيثيات الكبيرة في زمرة أنصارها الذين يظهرون عند الكلام عليها ويتوارون عند الكلام على بعض الحقوق المهضومة هذا من جهة وسكوت علماء الدين وجمودهم عن مقاومتها بدافع الخوف وعامل الرجاء من جهة أخرى واعطاء الكثير ممن يتظاهر بالدين امثلة سيئة شوهت وجه الاسلام لقلة الوازع الديني فيهم من جهة ثالثة.
পৃষ্ঠা ৩