وبذلك يتحلى بكثير من الفضائل والكمالات النفسية من الصبر بأنواعه والشجاعة والإقدام والإرادة والكرم والسماحة والحلم وسعة الصدر وغير ذلك من لواحقها ولهذا كان الرضاء بقضاء الله ركنا من أركان الإيمان فان المسلم حقا يلزم بموجب إيمانه بالقضاء والقدر أن يكون صبورا على المكاره متجلدا للنوائب ، محتملا لمشقة تكليف من امتثال الأوامر واجتناب النواهي بكل ارتياح واطمئنان غير جزوع ولا هلوع ولا قلق . وان يكون جريئا شجاعا مقدما غير خواف ولا جبان ولا فرار من المواقف والمخاطر . وان يكون جوادا كريما بنفسه ونفيسه في سبيل الحق غير شحيح ولا بخيل خوفا من الفقر وضيق ذات اليد ألخ .هذا ما يلزم أن يكون عليه المسلم حقا بطبيعة الحال لأنه إذا كان يعتقد أن الخير كله والشر كله من الله تعالى فلماذا الجزع والهلع والجبن والخوف والشح والقلق وضيق الصدر ؟ وانما يكون شيء من هذا إذا كان مزلزل العقيدة سقيم الوجدان غير مؤمن بذلك حق الإيمان .
نعم يلزمه مع ذلك اتخاذ الأسباب والاحتياطات اللازمة للطوارئ ولا منافاة بين الإيمان بالقضاء والقدر وبين اتخاذ الأسباب لأنه وان كان الأول يحملنا على التسليم اعتقادا بما قضاه الله وقدره لكن لا يمنعنا من العمل في دائرة اختيارنا والأخذ فيها بالأسباب بل امرنا بذلك وحثنا عليه ونعي على من يستسلم للتواكل والسكون فيما هو في دائرة مقدوره .
ومن هنا يتبين أن الإيمان بالقضاء والقدر دواء عظيم النفع ، جزيل للفائدة يقتل في النفس جراثيم الأخلاق الفاسدة ، ويربي فيها العزة والعظمة وسائر الأخلاق الفاضلة .
وهل اقتحم الصحابة ومن بعدهم من عظماء الإسلام هاتيك الأخطار وخاضوا تلك الغمرات فقادوا الجيوش وفتحوا الفتوحات ومصروا الأمصار ونشروا ألوية الإسلام في أطراف المعمورة إلا لرسوخ تلك العقيدة في نفوسهم وتغلغلها في شغفات قلوبهم ؟
পৃষ্ঠা ২৩