فقد لبث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة الا خمسين عاما يدعوهم الى الايمان وما آمن معه الا قليل ولبث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم 23 سنة فقط يدعو الكافة الى ما هو أعظم وأوسع مما دعا اليه نوح عليه السلام فدانت لدعوته العرب والعجم والجن والانس ولم يمر على شريعته قرن حتى انتشرت في اطراف المعمورة وما سبب هذا الفرق الشاسع بين تأثيري الدعوتين لو لم يكن ما ذكرنا من جملة الأسباب الكبرى؟
ولتحليل نفسيات الأمم والشعوب واستكناه تدرجها في مدارج الكمال العقلي والاجتماعي تجب مراجعة الآيات القرآنية المستفيضة في بيان علائق الأمم برسلها ومعاملاتها ومحاوراتها لهم وأساليبهم في اقناعهم وكبح جماحها وأنواع الخزي والعذاب التي صبها الله على كفارها ومكذبيها.
نرى ان المعجزات والخوارق التي يؤيد الله بها رسله منها ما هو بسيط ومنها ما هو رائع منها ما ينحو المنحى المادي ومنها ما ينحو المنحى الادبي ومن الرسل من الغالب في معجزاته الخارقة النوع والأول ومنهم من الغالب في معجزاته الخارقة النوع الأول ومنهم من الغالب فيها النوع الثاني ومنهم من جمع هذين النوعين.
واذا كانت الحكمة من اجراء المعجزة على يد الرسول هو اقناع الأمة التي ارسل اليها من الناحية التي تؤمن بها وتقتنع بها على ان ذلك الرسول انما هو من عند الله دلنا على ذلك نفسية تلك الأمة ومبلغ مداركها وكنه عقليته بالضبط وقد رأينا أروع المعجزات وأكبرها وأعظمها وأكثرها حياة وخلودا هي معجزات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وفي مقدمتها ذلك الكتاب المجيد من نبي امي تلك المعجزة العقلية الهائلة التي تدل على سمو العقل البشري وعلو مداركه التي يصعب اقناعها بغير معجزة القرآن العظيمة الخالدة.
পৃষ্ঠা ১৪