ان في ولوع الأمم بتلك الفنون وتنافسها بها قبل مجئ رسلها بنحو قرن ونصف ومن جنس ما سيأتون به بعد لارهاصات وطلائع ومقدمات لنبوتهم ورسالتهم عليهم السلام وذلك كله دليل قاطع على انهم مرسلون من عند الله ليهتدي من اراد هدايته وتنقطع حجة من اضله من المعارضين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة.
ولم يجعل الله سبحانه رسولا واحدا لجميع خلقه في جميع مراحل الحياة لأنه وان اتحدث اصول الشرايع ففروعها تختلف بإختلاف الأمم والعصور وأحوال المعاش ووسائل الحياة فكان من الحكمة ارسال رسل على رأس كل مرحلة من مراحل الحياة لتجديد نظامها وأساليبها على مقتضى ما يلائم مصلحة البشر في قطع المرحلة التالية. ولم يترك سبحانه خلقه وشأنهم في فترة الرسل بل بعث اليهم منهم في خلال ذلك أنبياء وجعل لهم ورثة من العلماء لنشر دعوة رسلهم وابلاغهم الى الاجيال بعدهم واقامة حجتهم عليهم وتمديد أمرهم اليهم فهم من الرسل بمثابة الأعوان من قواد الجيوش والأقمار من الكواكب السيارة والمواصلات الكهربائية من المعامل الكهربائية المركزية.
ولم يكتف سبحانه في هداية خلقه الى ذلك النظام بارسال الرسل فقط فهم وان كانوا أمناء على التبليغ والبيان ومؤيدين بما معهم من المعجزات والخوارق ومعززين بتلاميذهم من الأنبياء والعلماء لكن كلام البشر عرض سيال ينقضي بانقضاء تموجات الصوت وما يبقى فهو عرضة في طريق نققله للتحريف والتبديل والتغيير فكان من مقتضيات التأييد وصيانة الدعوة على ممر الأزمان وابلاغها بجوهرها الناصع الى من يأتي بعد من الاجيال انزل الكتب عليهم تصديقا لهم فيما ارسلوا به. وفي ذلك من تشريف واعلاء شأن الكتابة ما لا يخفى على بصير.
পৃষ্ঠা ১১