كما أنه ليس من الحكمة ان يرسل الى البشر الرسل من طبقاتهم السفلى فيرسلهم من النساء أو الصبيان أو العبيد أو البله والسفهاء أو المجانين لأن أمانة الرسالة عبء ثقيل لا يقدر على حمله الا صفوة الخلق ولباب البشر من ذوي الامزجة الصحيحة والعقول الراجحة ولأن التأثير المطلوب من الرسالة في الأمم لا يحصل بطبقتها السفلى وانما يكون من طبقتها العليا بالوجه الأكمل فكان من مقتضى الحكمة ان يرسل اليهم من بين خلاصة هذه الطبقة العليا
( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما )
( سورة النساء 165 )
وكان من مقتضى حكمته تعالى ان لا يرسل من تلك الطبقة العالية الا بلسان قومه (( وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم)) ولم يرسل أولئك الرسل الى أممهم هكذا بدون دليل قاطع يؤيدهم فيغاغص الأمم في مداركها ومشاعرها بل ارسلهم اليها بالايات البينات والمعجزات الباهرات على حسب مداركها ومبلغ رقيها المادي أو الادبي ومن جنس مألوفها ومولعها بلكن بوجه ابلغ وطريق خارق حتى تؤمن عن اقناع وتصدق من صميم القلب ان ذلك هو من عند الله.
فحينما ازدهر في عصر الفراعنة فن السحر مثلا ارسل الله موسى عليه السلام بعصاه فأبطل لهم بها ما جاءوا به من السحر وحين نضج في زمن الرومانيين فن الطب ارسل الله عيسى عليه السلام ببرء الأكمه والأبرص واحياء الموتى باذن الله وحين تناغت العرب وتفاخرت في ميادين الفصاحة والبلاغة وفتحت لذلك معارض وأسواقا بعكاظ وذي المجاز وغيرهما ارسل الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم في أقصى درجات الفصاحة والبلاغة بالغا حد الإعجاز عاليا عن متناول البشر تحدى به فحول الفصحاء والبلغاء من العرب العرباء فخروا كلهم أمامه الاذقان سجدا ولم يقدروا ان يأتوا ولو بأقصر سورة من مثله.
পৃষ্ঠা ১০