وتبدت تأثيرات هذه الاتصالات المبكرة في كلا التراثين الآري الهندأوروبي والسامي العربي، للدرجة التي نتج عنها الكثير من الأخطاء والمغالطات التي وقع فيها الرواد الأوائل لهذه الدراسات خلال رحلات البحث المضنية عن منابع التراث الأوروبي وقنوات هجراته لغويا، وبالضرورة تراثيا، بدءا من الأخوين جريم، وبنفي، والمدرسة الفولكلورية الشرقية عامة.
وعلى سبيل المثال، فإن دولة الميديين الآريين 508-550ق.م، الذين يرجح أن هجراتهم تمت من شواطئ بحر قزوين إلى غربي آسيا، إلى أن استقروا في إيران وأقاموا دولتهم في القرن السابع قبل الميلاد، لم يتعرف عليها تاريخيا إلا من النقوش الآشورية والأخبار العبرية، وينسب لهم إقامة دولة همدان في الجنوب العربي.
وكانت ميديا تتبع آشور، وفي الأخبار الإسرائيلية أن ملك الآشوريين حمل بني إسرائيل إلى فتوحاتهم الجديدة الواسعة الممتدة إلى ما وراء نهر زاجريوس في إيران، وهو ما يعرفه توينبي بإعادة زرع أو استنبات الأقوام المغلوبة؛ بهدف شدخها أو تمزيقها حضاريا.
كما أن من أخبار هيرودوت أن الآشوريين استعبدوا الميديين الإيرانيين خمسة قرون كاملة، إلى أن تمكن «ديوسيس» أو ملوكهم من تأسيس الدولة الميدية وطرد الآشوريين، بل إن حفيده «كيخسرو» تمكن من تحطيم «نينوى» عاصمة الآشوريين في العراق وسوريا العليا.
وما يهمنا هو تلك الاتصالات المبكرة بين العرب الساميين والفرس الأوائل الآريين، من مزاوجات ومؤثرات حضارية وتراثية من جانب لآخر، حتى ليقال بأن الآشوريين خلفوا بصمات أصابعهم على اللاهوت الزرادشتي، الذي كان بمثابة بداية لتجمع حضاري «أميني» نقل الإيرانيين
9
البرابرة من طور إلى طور.
فيبدو أن الميثولوجيا البابلية والفينيقية السامية لعبت أهم أدوارها في إيران؛ إذ إنهم خلفوا لغتهم الآرامية، فكتب الفرس وثائقهم وتراثهم بالخط المسماري البابلي، كما أنهم - الساميين - خلفوا أساطيرهم ومظاهر حضارتهم التي كانوا قد توارثوها من أسلافهم السومريين، فخلط الفرس في لغتهم بين الفارسية القديمة والأرامية السامية، ومنهما اشتقت اللغة البهلوية.
وعلى هذا جاءت الإمبراطورية الإخمينية التي حكمت معظم شعوب الشرق الأوسط، مناصفة بين العبقرية الحضارية المتمثلة في الأساطير والتراث العقائدي اللاهوتي السوري أو الآشوري من الوجهة الحضارية، وبين الحكام ونظم الحكم الفارسية من الوجهة السياسية.
كما أن مما يزيد الأمر وضوحا فيما يتصل بقدم الاتصالات الحضارية بين الفرس والساميين - بل والمصريين - أن قمبيز بن كورش
অজানা পৃষ্ঠা