ومن هنا فأي محاولات للتصنيف والأرشفة قابلة على الدوام للتعديل والإعادة، سواء بالنسبة للحكايات النمطية أو لجزئياتها، كما أن من الأجدى والأكثر تصويبا أن لا نتمادى في الأخذ والنقل الجاهز لما أنجز في مجالات التصنيف والأرشفة والتنميط بالذات، فالمطلوب هو ما يفيد حركتنا العربية الوليدة، وكذا بالنسبة للتمييز بين الحكاية الخرافية وما يشاكلها من أنماط أخرى، من حكاية يطلق عليها شعبية وأخرى للبطولة وثالثة أسطورية تتصل بالعوالم الفوقية للآلهة، ثم الحكايات الطوطمية التي تجري على ألسنة أبطالها وشخوصها من حيوانات وزواحف ونباتات، وهي ما تعرف بالفابيولا، فهي مأثورة حيوان أو نبات لها غرضها الأخلاقي، ومن خصائصها قصرها ودقة بنائها وتصميمها المنسق مع مضمونها التعليمي، وهي هنا أقرب إلى المثل المتداول، وأشهر أنماطها حكايات إيسوب ولقمان الحكيم، خاصة مع أسرة التسعة الشهيرة، وكذا حكايات ومأثورات فراعنة مصر ونماردة العراق وعمالقة فلسطين.
صحيح أن من واجبنا - في محاولة البحث المنهجي لفولكلورنا وتراثنا العربي - عدم إغفال ما أنجز في هذا العلم من مشاكل التصنيفات والمناهج، بدءا بهجوم الأخوان جريم وسميث تومسون، والمنهج الفنلندي، والمدرسة الشرقية، والجهود الأيرلندية، إلا أن كل هذا لا يبعدنا عن نقطة انطلاق عربية في محيطها السامي، لإعادة التعامل مع التراث بما يحقق فائدة أكثر قومية وأكثر تجاوزا لما سبقنا من جهود، وأخيرا بما يحقق فائدة أكثر مباشرة لما نعانيه من قضايا التنمية، وأخصها العقلية.
فلتكن نقطة الانطلاق المتخلصة من شوائب ومعوقات الذهن الغيبي التهويمي، المنتكس في كل حالاته، والمحبط بمخاوف تدفع به إلى كل اختباء ورومانتيكية وهروب. وليكن واضحا أن هذه الثقافات المتبقية أو الموروثات هي بذاتها ما تشكل الجانب الأعظم حجما وكيفا بالنسبة للتراث العربي بعامة، وعيون كلاسيكياته وشعائره، مرورا بأدبه الرسمي؛ الوسيط، والمعاصر، والحديث.
بل هي تشكل مجمل البنية الأنيزمية الطقسية بدينامياتها وأدق خلجاتها، بدءا بتعاويذ وإيماءات الشعائر اليومية، وتابوات الطهارة والنجاسة، والمرأة الطامث، والطفل حديث الولادة، والاتصالات، ومنها مصافحة
15
الرجل الطاهر للأنثى في عمومها ككائن نجس، كما هو معروف ومتفق عليه خرافيا.
باختصار، فكما أوضحت في محاولاتي الدراسية السابقة لهذا التراث من المدخل النظري، أميل إلى استخدام بعض المناهج الأكثر أحقية وفائدة، ومنها المنهج البنائي، في شمولية فهمه للظاهرة وأبعادها وعلاقاتها المتشابكة، وأبرزها بالطبع التركيبات الاجتماعية الطبقية.
البناءات الطبقية
وهي - كما يتضح خاصة في الحكايات السودانية والعربية بالمعنى الجغرافي؛ الجزيرة العربية - تضرب في العبودية والبربرية، وإن كانت تستبدل هذه العبودية في مصر بعلاقات السخرة التي عرفتها مصر على طول تاريخها.
ففي النماذج السودانية، عادة ما يصحب البطل أو الشاطر خلال رحلاته وأفعاله عبده الذي قد يحل محل البطل في التنكر والحيل والمآزق. وفي حكاية «النيتو»، يقوم العبد باقتحام الصعاب؛ تلبية لأوامر سيده في معرفة حبيبته - النيتو - ويعود ليصف له محاسنها.
অজানা পৃষ্ঠা