وهنا لا بد من مهلة بسيطة لتوضيح بعض الملاحظات، أهمها: الاعتذار عن الاستطراد السالف عن هيرودوت وغوصه في حياتنا الشعبية، بما أوصله منذ 25 قرنا إلى تدوين هذا النص الحي المتواتر إلى أيامنا، وكأنه جامع فولكلور يقظ يعرف ويدرك - بصائب فكره المستقبلي - أهمية النص الشفهي الجماعي الفولكلوري، الذي سنتبين مدى صداه، وتلك هي أهمية الجمع الميداني للنصوص الشعبية.
فالحكاية التي دونها هيرودوت مع ما دونه من تأريخيات ومظاهر حياة في رحلته القصيرة التي لا تتعدى أربعة أشهر، طاف فيها أقاليم مصر، ومنها إقليم الفيوم أو الإقليم الأرسنويتي، وتحدث عن معبوده المحلي الإله التمساح سبك، كما زار قصر اللابيرنت
1
أو التيه، ووصف بحيرة قارون وبحر يوسف.
إلا أنه لم يذكر موطن جمعه لهذه الحكاية التي نحن بصددها، والتي صادفني نصها الشفهي فجمعته من الفيوم عام 1963، وظلت تشغلني إلى حد كبير مؤرق، لكن الملفت أن الاختلافات بين بعض موتيفات النص المدون القديم ونصها الشفاهي المعاش على أيامنا؛ تجيء طبيعية شبه متفق عليها، وبعضها الآخر خاضع لهجرات داخلية داخل نمط أو نموذج الحكاية الواحدة.
كما أن بعضها الثالث دخيل على كلا النصين من الخارج؛ نتيجة للاحتكاكات المتوالية التي تعتري التراث وتحدثها الاتصالات والتبادلات البشرية من قرية لأخرى، ومن قطر لآخر، بالنسبة للحكايات الشعبية والفولكلور بشكل عام .
ويتمثل هذا الاختلاف الدخيل الثالث بشكل واضح في الخدعة الأخيرة التي اتبعها الملك مع اللص للإيقاع به، وهي إقدامه على وضع ابنته في «ماخور، وأمرها أن تستقبل جميع من يفدون إليها على السواء»، على أن يفوز بمضاجعتها الزائر الذي يحكي لها «أبرع وأخبث ما فعل في حياته».
فهذه الجزئية قد تكون دخيلة على النصين، سواء أكان مصدرها الهلينيين من يونانيين وإيجيين الذين استقى هيرودوت منهم معلوماته، أو التراجمة من المصريين والذين كانوا يقيمون بكثرة في مصر، جاء بهم قمبيز الفارسي إليها قبل مجيء هيرودوت بأقل من قرن.
ويقول هيرودوت في هذا إنه عندما جهز قمبيز حملة على مصر، «أخذ من شعوب مملكته اليونانيين الذين كانوا تحت إمرته».
ونفس هذه الفكرة عاد هيرودوت ونسبها إلى الملك خوفو: «ولقد بلغ كيوبس - فيما يقولون - أحط درجات الرذيلة، حتى إنه - لحاجته إلى المال - وضع ابنته هو في ماخور وأمرها أن تحصل على مبلغ معين لم يذكروا إلى مقداره.»
অজানা পৃষ্ঠা