হেগেল: খুব সংক্ষিপ্ত ভূমিকা
هيجل: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
سوف نتغاضى الآن عن جزء ضخم من كتاب «فينومينولوجيا العقل». بعض الأجزاء التي تغاضينا عنها مملة ومبهمة، والبعض الآخر على نفس القدر تقريبا من أهمية وتأثير الأجزاء التي قد تناولناها. وفي بعض الأحيان تكون الموضوعات هي بالضبط ما قد يتوقع المرء أن يجده في عمل فلسفي؛ فهناك مناقشات بشأن الأفكار الميتافيزيقية لكل من فيخته وكانط، وهناك نقد لمذهب المتعة، أو السعي وراء اللذة، وهناك مناقشة لنظرية كانط عن الأخلاق؛ حيث يبدي اعتراضات مشابهة للاعتراضات التي تناولناها بالفعل عند مناقشة كتاب «فلسفة الحق». كذلك يتناول العاطفية الأخلاقية التي انتشرت في عصره من خلال الحركة الرومانسية بتحليل نقدي.
أما الموضوعات الأخرى فهي فريدة من نوعها؛ فهناك - على سبيل المثال - جزء طويل عن علم الفراسة وعلم فراسة الدماغ، وهما من العلوم الزائفة التي تستند إلى فكرة أن المرء يستطيع أن يتعرف على شخصية الشخص - في حالة علم الفراسة - من شكل الوجه، أو - وفقا لعلم فراسة الدماغ - من نتوءات الجمجمة. يعارض هيجل هذه الأفكار، ليس لأنه يمتلك دليلا على عدم دقتها، وليس لأي سبب دنيوي آخر، لكن نتيجة للحجة الفلسفية التي تقضي بأنه يجب ألا يربط العقل بأي شيء مادي مثل الوجه والجمجمة.
هناك جزء آخر فريد، وهو تحليل لمجتمع قائم على النظرية الاقتصادية لآدم سميث ومدرسته التي تقوم على مبدأ «عدم التدخل»، التي تقول بأن كل شخص يعمل ليجمع ثروة لنفسه لكنه في الحقيقة يسهم بعمله في تحقيق الرخاء للجميع. يكمن اعتراض هيجل هنا - وهي نقطة تبناها لاحقا كل من النقاد الماركسيين وغير الماركسيين للاقتصاد الحر وأولوها اهتماما كبيرا - في أنه نتيجة لتشجيع الأفراد على السعي وراء مصالحهم الشخصية، يؤدي هذا النظام الاقتصادي إلى حرمان الأفراد من اعتبار أنفسهم جزءا من مجتمع أكبر.
إن هذه الموضوعات المتنوعة، بالإضافة إلى كثير من الموضوعات الأخرى، تمتزج بعضها مع بعض لتشكل تصور هيجل عن المسار الذي يجب أن يسلكه العقل كي يصل إلى المعرفة المطلقة. وقد رأينا كيف أكد أنه لا يمكن وجود معرفة كافية دون عقل واع بذاته، وكيف تطور الوعي الذاتي من خلال التأثير في العالم وتغييره. انطلاقا من هذا، يرى هيجل التاريخ البشري بأكمله كعملية لتطور العقل. إن العصور التاريخية، مثل أيام اليونان القديمة والإمبراطورية الرومانية وعصر التنوير والثورة الفرنسية، جميعها لها الدلالة نفسها، كما في كتاب «فلسفة التاريخ»؛ فهي مراحل في عملية تقدم العقل نحو الحرية. وهكذا الحال بالنسبة للكثير من عناصر المجتمع العضوي التي وصفها هيجل في كتاب «فلسفة الحق». ورغم أوجه التشابه الكبيرة هذه، فإن هناك بعض الاختلافات بين طريقة هيجل في تناول هذه المادة في كتاب «فينومينولوجيا العقل» وطريقة تناوله لها لاحقا في كتابيه «فلسفة التاريخ» و«فلسفة الحق». وسأذكر منها ثلاثة اختلافات.
إن الاختلاف الذي يصدم القارئ على الفور هو أن كتاب «فينومينولوجيا العقل» لا يتضمن أي بلدان أو عصور أو تواريخ أو أحداث أو أشخاص محددة. وعلى الرغم من أن الإشارات لعصور وأحداث محددة تكون عادة واضحة بما يكفي - خاصة للقارئ الملم بكتاب «فلسفة التاريخ» - تم تناول كل شيء كما لو أنه حديث عن عملية عامة يجبر العقل على خوضها نتيجة للحاجة الداخلية التي تدفعه لتحقيق الذات. يبدو الأمر كما لو أن الإشارات إلى أشخاص أو أوقات أو أماكن محددة، قد يوحي بطريقة ما بأن الأشياء كان من الممكن أن تصبح مختلفة إذا اختلف الأشخاص أو اختلفت الظروف. ينجح هيجل في إعطاء انطباع بأن العملية التي يصفها كان من شأنها أن تتم حتى لو جرى تطور العقل على كوكب المريخ. وبالفعل، يتسم كتاب «فينومينولوجيا العقل» بأسلوب مجرد وبخلوه من أي إحساس بالزمان أو المكان، لدرجة أنه في حال كان العقل قد تطور على كوكب المريخ بالفعل، لم يكن هيجل ليضطر لتغيير أي شيء.
أما الاختلاف الثاني، فهو أن كتابي «فلسفة التاريخ» و«فلسفة الحق» ينتهيان بالوصول إلى دولة تشبه الشكل الملكي لدولة بروسيا، أما في كتاب «فينومينولوجيا العقل» فلا يوجد أي ذكر لمثل هذه الدولة. فالأجزاء الموازية لكتاب «فلسفة التاريخ» تنتهي بالثورة الفرنسية. إن الثورة الفرنسية هي ذروة التاريخ من حيث إنها تمثل العقل في حالة حرية مطلقة، والذي يكون على دراية بقدرته على تغيير العالم وتشكيل الحياة السياسية والاجتماعية وفقا لإرادته. نتيجة لأسباب مماثلة للأسباب التي أبداها في كتاب «فلسفة التاريخ»، يصور هيجل الحرية المجردة للثورة الفرنسية بأنها تقود حتما إلى نقيضها؛ ألا وهو نفي الذات الحرة؛ أي الإرهاب والموت. لكن لا يوجد أي تطور سياسي آخر في كتاب «فينومينولوجيا العقل». بدلا من ذلك ينتقل مسار العقل إلى مستويات أرقى، بداية من الرؤية الأخلاقية للعالم التي طورها كانط وفيخته والرومانسيون، ثم ينتقل إلى الرؤية الدينية، وأخيرا يصل إلى المعرفة المطلقة ذاتها التي تتحقق عن طريق الفلسفة.
هناك تفسير واضح لعدم وجود إشارات إلى دولة بروسيا في كتاب «فينومينولوجيا العقل»؛ فعندما كتب هيجل هذا الكتاب، لم يكن في بروسيا وإنما في مدينة ينا، ذلك فضلا عن أنه كتبه خلال فترة الحروب النابليونية، وهو الوقت الذي كانت فيه فرنسا القوة المهيمنة في أوروبا، وكان مستقبل الدول الألمانية في علم الغيب. إذن كان يجب أن يكون هيجل متبصرا على نحو كبير كي يتنبأ بنهضة دولة بروسيا، ويجعلها ذروة التاريخ السياسي بالنسبة له. إن الغياب المفهوم لإشارات إلى دول ما جعل كتاب «فينومينولوجيا العقل» رائجا بطبيعة الحال وسط من يؤمنون بأن هيجل في أعماله اللاحقة قد خفف من حدة آرائه كي يرضي أسياده السياسيين.
ننتقل إلى الاختلاف الرئيسي الثالث بين كتاب «فينومينولوجيا العقل» والأعمال التالية له؛ ففي كتاب «فلسفة التاريخ»، يصف هيجل مسار التاريخ بأنه ليس إلا تقدم الوعي بفكرة الحرية، في حين يركز في كتاب «فينومينولوجيا العقل» - كما سبق وأن رأينا - على التطور نحو المعرفة المطلقة. بالنظر إلى هذه الكلمات بمعناها العادي، قد يبدو أن هيجل يتبنى وجهات نظر مختلفة وغير متطابقة في الكتابين. بالطبع قد يكون المرء مثقفا بينما هو قابع في زنزانة طاغية، وقد يكون آخر يعيش بحرية تامة على جزيرة استوائية وهو جاهل على نحو تام بكل العلوم والسياسة والفلسفة. لكن ينبغي علينا الآن أن نكون قد تعرفنا على هيجل بما يكفي لنحترس من أن نفهم كلماته بمعناها العادي. فهيجل يرى أن المعرفة المطلقة والحرية الحقيقية متلازمتان. وستكون مهمتنا الأخيرة، فيما يتعلق بكتاب «فينومينولوجيا العقل»، هي فهم ما يقصده هيجل بالمعرفة المطلقة. وللقيام بذلك نحتاج أولا لفهم سبب أن تقدم الوعي بفكرة الحرية هو أيضا تقدم العقل نحو المعرفة المطلقة.
كشف الاستعراض الذي قمنا به في وقت سابق لمفهوم هيجل عن الحرية أنه يرى أننا نكون أحرارا عندما نكون قادرين على الاختيار دون إجبار من أشخاص آخرين أو الظروف الاجتماعية أو رغباتنا الطبيعية، وقد اختتمنا هذا الاستعراض بوعد بأننا سنتوصل لفهم أفضل لوجهة النظر هذه فور أن نعرف القليل عن نسقه الفكري ككل. لقد علمنا الآن من كتاب «فينومينولوجيا العقل» أن هيجل يرى التاريخ البشري بأكمله مسارا ضروريا لتطور العقل، وتشير حقيقة أنه يتخذ من العقل القوة المحركة للتاريخ إلى سبب إصراره على أن رغباتنا، سواء أكانت فطرية أم اجتماعية، هي قيد على الحرية. فالحرية من وجهة نظر هيجل ليست الحرية في أن نفعل ما يحلو لنا، وإنما تكمن في أن يكون لدينا عقل حر. فالعقل يجب أن يتحكم في كل شيء آخر، ويجب أن يدرك أنه هو المسيطر. لا يعني هذا - كما عنى عند كانط - أن الجانب غير العقلاني للطبيعة البشرية ينبغي ببساطة كبته. يعطي هيجل مساحة لرغباتنا الفطرية والاجتماعية كما يعطي مساحة للمؤسسات السياسية التقليدية، لكنه دائما ما يضعها في تسلسل هرمي ينظمه العقل ويتحكم فيه.
إن الحرية التي يؤمن هيجل بأنها الحرية الحقيقية يمكن العثور عليها - كما رأينا - في الاختيار العقلاني. إن التفكير العقلاني هو الطبيعة الأساسية للعقل؛ فالعقل الحر، الذي لا يعوقه أي إجبار من أي نوع، سيتبع التفكير العقلاني بسهولة كما يتدفق النهر الذي لا تعوقه جبال أو تلال مباشرة نحو البحر. وأي شيء يعيق التفكير العقلاني هو قيد على حرية العقل. فالعقل يسيطر على كل شيء عندما يكون كل شيء منظما بعقلانية.
অজানা পৃষ্ঠা