قوله: »من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد«، وذلك أنه قال فيه شيخ شيوخنا: هذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده؛ فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل فلا يلتفت إليه، قال النووي: هذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به لذلك، وقال الطوفي: هذا الحديث يصلح أن يسمى: (نصف أدلة الشرع) لأن الدليل يتركب من مقدمتين، والمطلوب بالدليل إما إثبات حكم أو نفيه، وهذا الحديث حجة كبرى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه؛ لأن منطوقه مقدمة كلية في كل دليل ناف لحكم، مثل أن يقال في الوضوء بماء نجس: ليس هذا من أمر الشرع، وكل ما كان كذلك فهو مردود، فهذا العمل مردود، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث، وإنما يقع النزاع في الأولى، ومفهومه أن من عمل عملا عليه أمر الشرع فهو صحيح، مثل أن يقال في الوضوء بالنية: هذا عليه أمر الشرع، وكل ما عليه أمر الشرع فهو صحيح، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث، والأولى فيها النزاع، فلو اتفق أن يوجد حديث يكون مقدمة أولى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لاستقل الحديثان بجميع أدلة الشرع، لكن هذا الثاني لا يوجد فإذن حديث الباب: (نصف أدلة الشرع).
وقوله: »رد« معناه مردود من إطلاق المصدر على اسم المفعول مثل خلق ومخلوق ونسج ومنسوج، فكأنه قال: فهو باطل غير معتد به، واللفظ الثاني هو قوله: "من عمل" أعم من اللفظ الأول، وهو قوله "من أحدث" <1/55> فيحتج في إبطال جميع العقود المنهية وعدم وجود ثمراتها المترتبة عليها، وفيه رد المحدثات، وأن النهي يقتضي الفساد، لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها، ويستفاد منه أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر لقوله: "ليس عليه أمرنا"، والمراد به أمر الدين، وفيه أن الصلح الفاسد منتقض والمأخوذ عليه مستحق الرد، قلت وهو أمر حسن. والله أعلم، انتهى.
<1/56> الباب الثامن
পৃষ্ঠা ৫৪