قال قتادة: ﴿تَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾: احتسابًا من أنفسهم. وقال الشعبي: يقينًا، وتصديقًا من أنفسهم. وكذلك قال الكلبي. قيل: يخرجون الصدقة طيبة بها أنفسهم، على يقين بالثواب، وتصديق بوعد الله، يعلمون أن ما أخرجوه خير لهم مما تركوه.
قلت: إذا كان المعطى محتسبًا للأجر عند الله، مصدقًا بوعد الله له، طالبًا من الله، لا من الذي أعطاه، فلا يمن عليه. كما لو قال رجل لآخر: أعط مماليكك هذا الطعام، وأنا أعطيك ثمنه، لم يمن على المماليك، لاسيما إذا كان يعلم أن الله قد أنعم عليه بالإعطاء.
فصل
الفرق السادس: أن يقال: إن ما يبتلى به العبد من الذنوب الوجودية وإن كانت خلقًا لله فهو عقوبة له على عدم فعله ما خلقه الله له، وفطره عليه؛ فإن الله إنما خلقه لعبادته وحده لا شريك له، ودله على الفطرة، كما قال النبي ﷺ: " كل مولود يولد على الفطرة "، وقال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٣٠] .
فهو لما لم يفعل ما خلق له، وما فطر عليه، وما أمر به من معرفة الله وحده وعبادته وحده عوقب على ذلك، بأن زين له الشيطان ما يفعله من الشرك والمعاصي.
قال تعالى للشيطان: ﴿اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الإسراء: ٦٣ ٦٥]، وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ
1 / 92