الإنسان لا تحصل، وهذا سؤال الملائكة حيث قالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾ [البقرة: ٣٠]، وما لم تعلمه الملائكة، فكيف يعلمه آحاد الناس.
ونفس الإنسان خلقت كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾ [المعارج: ١٩٢١]، وقال تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] .
فقد خلقت خلقة تستلزم وجود ما وجد منها لحكمة عظيمة، ورحمة عميمة، فكان ذلك خيرًا ورحمة، وإن كان فيه شر إضافي كما تقدم فهذا من جهة الغاية، مع أنه لا يضاف الشر إلى الله.
وأما الوجه الثاني من جهة السبب: فإن هذا الشر إنما وجد لعدم العلم والإرادة التي تصلح النفس، فإنها خلقت بفطرتها تقتضي معرفة الله ومحبته. وقد هديت إلى علوم وأعمال تعينها على ذلك، وهذا كله من فضل الله وإحسانه، لكن النفس المذنبة لما لم يحصل لها من يكملها، بل حصل لها من زين لها السيئات من شياطين الإنس والجن مالت إلى ذلك، وفعلت السيئات، فكان فعلها للسيئات مركبًا من عدم ما ينفع وهو الأفضل، ووجود هؤلاء الذين حيروها، والعدم لا يضاف إلى الله. وهؤلاء القول فيهم كالقول فيها؛ خلقهم لحكمة.
فلما كان عدم ما تعمل به وتصلح هو أحد السببين، وكان الشر المحض الذي لا خير فيه هو العدم المحض، والعدم لا يضاف إلى الله؛ فإنه ليس شيئًا، والله خالق كل شيء كانت السيئات منها بأعتبار [أن] ذاتها في نفسها مستلزمة للحركة الإرادية التي تحصل منها مع عدم ما يصلحها تلك السيئات.
1 / 80