ففيه بيان: أن الحمد لله أحق ما قاله العباد؛ ولهذا أوجب قوله في كل صلاة، وأن تفتتح به الفاتحة، وأوجب قوله في كل خطبة، وفى كل أمر ذي بال.
والحمد ضد الذم، والحمد يكون على محاسن المحمود، مع المحبة له، كما أن الذم يكون على مساويه، مع البغض له.
فإذا قيل: إنه سبحانه يفعل الخير والحسنات، وهو حكيم رحيم بعباده، أرحم بعباده من الوالدة بولدها أوجب ذلك أن يحبه عباده ويحمدوه.
وأما إذا قيل: بل يخلق ما هو شر محض، لا نفع فيه، ولا رحمة، ولا حكمة لأحد، وإنما يتصف بإرادة ترجح مثلا على مثل، لا فرق عنده بين أن يرحم أو يعذب، وليست نفسه ولا إرادته مرجحة للإحسان إلى الخلق، بل تعذيبهم وتنعيمهم سواء عنده، وهو مع هذا يخلق ما يخلق لمجرد العذاب والشر، ويفعل ما يفعل لا لحكمة ونحو ذلك، مما يقوله الجهمية لم يكن هذا موجبًا لأن يحبه العباد ويحمدوه، بل هو موجب للعكس.
ولهذا فإن كثيرًا من هؤلاء ينطقون بالذم والشتم والطعن، ويذكرون ذلك نظمًا ونثرًا.
وكثير من شيوخ هؤلاء وعلمائهم من يذكر في كلامه ما يقتضي هذا، ومن لم يقله بلسانه فقلبه ممتلئ به، لكن يرى أن ليس في ذكره منفعة، أو يخاف من عموم المسلمين.
وفي شعر طائفة من الشيوخ ذكر نحو هذا.
وهؤلاء يقيمون حجج إبليس وأتباعه على الله، ويجعلون الرب ظالمًا لهم.
وهو خلاف ما وصف الله به نفسه، في قوله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن
1 / 78