وشرع الحمد الذي هو الشكر المقول أمام كل خطاب مع التوحيد.
ففي الفاتحة الشكرُ والتوحيد، والخطب الشرعية لابد فيها من الشكر والتوحيد. والباقيات الصالحات نوعان؛ فسبحان الله وبحمده فيها الشكر والتنزيه والتعظيم، ولا إله إلا الله، والله أكبر فيها التوحيد والتكبير.
وقد قال تعالى: ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [غافر: ٦٥] .
وهل الحمد على كل ما يحمد به الممدوح، وإن لم يكن باختياره، أو لا يكون الحمد إلا على الأمور الاختيارية، كما قيل في الذم؟ فيه نظر ليس هذا موضعه.
وفى الصحيح: أن النبي ﷺ كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: " ربنا ولك الحمد، ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بَعْدُ، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيتَ، ولا مُعْطِيَ لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجَدُّ منك الجد ". هذا لفظ الحديث. " أحق ": أفعل التفضيل.
وقد غلط فيه طائفة من المصنفين، فقالوا: " حق ما قال العبد "، وهذا ليس لفظ الرسول. وليس هو بقول سديد؛ فإن العبد يقول الحق والباطل، بل حق ما يقوله الرب، كما قال تعالى: ﴿فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ [ص: ٨٤] .
ولكن لفظه: " أحق ما قال العبد " خبر مبتدأ محذوف، أي الحمد أحق ما قال العبد، أو هذا وهو الحمد أحق ما قال العبد.
1 / 77