لكن خوطب الرسول بهذا؛ لأنه سيد ولد آدم. وإذا كان هذا حكمه، كان هذا حكم غيره بطريق الأولى والأحرى، كما في مثل قوله: ﴿اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب: ١]، وقوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥]، وقوله: ﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٩٤] .
ثم هذا الخطاب نوعان: نوع يختص لفظه به لكن يتناول غيره بطريق الأولى، كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ﴾ ثم قال: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمًْ﴾ [التحريم: ١، ٢] .
ونوع قد يكون خطابه خطابا به لجميع الناس، كما يقول كثير من المفسرين: الخطاب له والمراد غيره.
وليس المعنى: أنه لم يخاطب بذلك، بل هو المقدم. فالخطاب له خطاب لجميع الجنس البشري. وإن كان هو لا يقع منه ما نهى عنه، ولا يترك ما أمر به، بل هذا يقع من غيره، كما يقول ولي الأمر للأمير: سافر غدًا إلى المكان الفلاني، أي أنت ومن معك من العسكر. وكما ينهى أعز من عنده عن شيء، فيكون نهيًا لمن دونه، وهذا معروف من الخطاب.
فقوله: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ الخطاب له ﷺ، وجميع الخلق داخلون في هذا الخطاب بالعموم، وبطريق الأولى، بخلاف قوله: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا﴾ [النساء: ٧٩]، فإن هذا له خاصة. ولكن من يبلغ عنه يدخل في معنى الخطاب، كما قال ﷺ: " بَلِّغوا عني ولو آية "، وقال: " نَضَّر الله امرأ سمع منا حديثًا فبلغه إلى من لم يسمعه "، وقال: " ليبلغ الشاهد الغائب "، وقال: " إن العلماء ورثة الأنبياء "، وقد قال تعالى
1 / 50