رحمته كل شيء، وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وقد سبقت وغلبت رحمته غضبه، وهو الغفور الودود، الحليم الرحيم.
فإرادته أصل كل خير ونعمة، وكل خير ونعمة فمنه: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾ [النحل: ٥٣] .
وقد قال سبحانه: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ثم قال: ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيم﴾ [الحجر: ٤٩، ٥٠]، وقال تعالى: ﴿اعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: ٩٨] فالمغفرة والرحمة من صفاته المذكورة بأسمائه. فهي من موجب نفسه المقدسة، ومقتضاها ولوازمها.
وأما العذاب، فمن مخلوقاته، الذي خلقه بحكمة، هو باعتبارها حكمة ورحمة. فالإنسان لا يأتيه الخير إلا من ربه وإحسانه وجوده، ولا يأتيه الشر إلا من نفسه، فما أصابه من حسنة فمن الله، وما أصابه من سيئة فمن نفسه.
وقوله: ﴿مَّا أَصَابَكَ﴾ إما أن تكون كاف الخطاب له ﷺ كما قال ابن عباس وغيره وهو الأظهر؛ لقوله بعد ذلك: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا﴾ [النساء: ٧٩] .
وإما أن تكون لكل واحد واحد من الآدميين، كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الانفطار: ٦] .
لكن هذا ضعيف، فإنه لم يتقدم هنا ذكر الإنسان ولا مكانه، وإنما تقدم ذكر طائفة قالوا ما قالوه. فلو أريد ذكرهم لقيل: " ما أصابهم من حسنة فمن الله وما أصابهم من سيئة ".
1 / 49