وتجنب سليمان المعارك ما وجد إلى ذلك سبيلا، وآثر في النهاية أن يحالف فتوة الحسينية ليتفادى من مواجهة التحديات وحده، وفقدت الحارة مركز السيادة الذي تبوأته منذ عهد عاشور الناجي.
وتغيرت صورة العملاق ومنظره؛ ارتدى العباءة والعمامة، واستعمل الكارتة في مشاويره، نسي نفسه تماما، ثمل حتى أصابه خمار الانحراف، ومضى يمتلئ بالدهن حتى صار وجهه مثل قبة المئذنة، وتدلى منه لغد مثل جراب الحاوي.
وكان سعيد الفقي عندما يهنئه بأحد الأعياد يقول له: أيامك كلها أعياد يا معلم سليمان!
11
كان الشقيقان بكر وخضر مختلفي المظهر؛ بكر يشابه أمه سنية هانم في جمالها ورقتها، يبدو دائما هاشا مترفعا. أما خضر فرغم جماله ورث عن أبيه وجنتيه البارزتين وطوله دون عملقته، وإلى الرقة كان أقرب. ولعله لم يكن في ترفع شقيقه، ولكنه لم يعد على أي حال متواضعا. واكتسبا معا من دار السمري أسلوبا راقيا في الحياة وعادات عالية وتهذيبا أنيقا، فلم يعرفا حارتهما إلا من الشرفات العالية، ولم تطأ أقدامهما أرضها المبلطة، وأدارا محلهما من حجرة فاخرة لا يتلاقيان إلا بكبار التجار، تاركين المعاملات اليومية مع الجمهور لوكيل المحل. ولم يفهما والدهما. رغم أنهما لم يرياه إلا في أفخم صورة، فإنهما لم يقتنعا بالفتونة ولا أضمرا لها الاحترام الكافي. لم يفطنا إلى أنه لولا سطوة أبيهما لما نجحت تجارتهما، ولعبث العملاء والتجار بسذاجتهما التجارية، فحصلا الخبرة والمهارة في أسعد الظروف المواتية وهما لا يعلمان.
12
وذات مساء جلست الأسرة حول المدفأة المطلية بالفضة في بهو المعيشة. كان شهر طوبة يستوي على عرشه الثلجي، والرذاذ لم ينقطع منذ الصباح الباكر. ونظر سليمان إلى ابنيه الرقيقين المتلفعين بالعباءة المخملية المنزلية، ثم قال باسما: لو رآكما عاشور الناجي لأنكركما وتبرأ منكما.
فقالت سنية وهي ترمقهما بحب وإعجاب: حتى الملوك يتمنونهما!
فقال سليمان بوجوم: إنهما ابناك وحدك، وما منهما أحد يخلفني!
فبادرت متسائلة: ومن أعلمك أنني أود لهما الفتونة؟
অজানা পৃষ্ঠা