ولم يمهلني، رأيته يدخل منحنيا من فرجة الباب، ويقف منتصبا أمامي، أهلا ... فراغ!
وجلس إلى جواري بوجهه الجديري القبيح، وقال لي مشفقا: «إنك يا عزيزتي في حاجة إلى شيء جديد.»
فقلت في مرارة: «لم يعد هناك شيء جديد.»
قال: «لماذا لا تسافرين؟»
قلت: «لقد سافرت إلى كل شبر من الأرض، يخطر على بالك.»
قال ساخرا: «الأرض! وهل تسمين هذا سفرا؟ أنت في حاجة إلى تغيير جو الأرض، لماذا لا تسافرين إلى الزهرة؟! هيا ... هيا، إن آخر سفينة تطير إلى هناك في السابعة مساء، أمامك أقل من ساعة لتعدي حقيبتك.»
وقلت: «والله فكرة! عجيبة! لماذا لم أفكر في ذلك من قبل؟»
ووجدتني بعد قليل، أقف في مطار سفن الفضاء، في يدي حقيبتي، وعلى وجهي ابتسامة بلهاء، تنم عن أي شيء ما عدا الذكاء أو الفهم. ورأيت حشدا من النساء والرجال، يجرون نحو السفينة فجريت معهم، وارتقيت بضع درجات صغيرة، ثم وجدتني في جوف السفينة، ورأيت مضيفة حسناء تبتسم لي، وتقودني إلى أريكة صغيرة، ووضعت حقيبتي في مكان خاص، وجلست على الأريكة، فإذا بي أغطس فيها، كأنني وقعت في إناء من العجين، وتلفت حولي لأبحث عن منقذ ينتشلني، فرأيت عددا كثيرا من الأرائك، تغطس فيها أجسام كثيرة لا تبدي ذعرا، وإنما تستلقي في هدوء، فغطست بدوري في صمت، وسمعنا صفارة رفيعة، أعقبها صوت نسائي رقيق يقول: «السفينة ارتفعت، سنتوقف في الزهرة عشر دقائق لنمون.»
ونظرت في العدسة التي إلى يساري، فرأيت الأرض تبتعد عنا بسرعة هائلة، فشعرت براحة تسري في أوصالي، وتمددت في أريكتي، وأغمضت عيني؛ لأسرح ما أشاء في تلك الرحلة إلى الزهرة، وقلت لنفسي: يا لها من مغامرة! ترى ما شكل الرجل هناك؟ وهل عندهم حب؟ وتركت لخيالي العنان، يرسم ما يشاء من المغامرات البريئة.
وبعد ساعات لم أعرف عددها، سمعت صوت المضيفة الحسناء تقول: «تذاكر الزهرة ...» وأخذت حقيبتي في يدي، ونزلت من السفينة ، وعلى وجهي ابتسامة عريضة جدا، استعنت عليها بكل مواهبي، وتلفت حولي لأجد رجلا أو مخلوقا في المطار فلم أجد، وسرت أضرب في الأرض الرملية، علني أجد عربة أو تاكسيا يقلني إلى البلدة، وقبل أن أصل إلى موقف العربات رأيت رجلا يقف في وسط المطار وفي يده حقيبة، وانبسطت أسارير وجهي، لا أدري كيف، واتجهت نحوه، ولما اقتربت منه وجدته رجلا عاديا، يشبه رجال الأرض وله شارب صغير، ولم أجد بدا من أن أسأله: «هل أنت من الزهرة؟» فقال الرجل بصوت غليظ: «نعم.» فقلت: «وإلى أين أنت مسافر؟» فقال: «إلى الأرض.» قلت: «الأرض! لماذا؟» فقال وهو شارد: «الفراغ.»
অজানা পৃষ্ঠা