تزوجته لأنني أشعر نحو صديقتي بعاطفة ما لا أستطيع أن أصفها، ولكنها عاطفة قوية، تجعلني أفكر في بعض الأحيان أن أسعدها، وأحسست أن زواجي من هذا الرجل سيكون سببا في سعادتها.
لكني لم أستطع أن أستمر في إسعاد صديقتي كثيرا، وهذا عيبي؛ فأنا لا أتجمل بشيء من الصبر، وسرعان ما يصيبني الملل.
آه الملل! هذا العملاق الفاغر فاه دائما، يبتلع في جوفه كل شيء، ثم يترك من حولي فراغا كئيبا قاتلا كأنه الموت، فراغا عنيدا يتبعني أينما ذهبت، ويطاردني بالليل وبالنهار، لا يخشى رهبة الحكومة وموظفيها الموقرين، فيتسلل إلي من تحت باب المكتب، وأجده متربصا بي وأنا أقلب الأوراق وأنجز الأعمال.
ولا تخدعه الهوايات التي جمعتها في نفسي، فيلاحقني وأنا ألهث أثناء اللعب والمباريات، ويجلس يدندن وأنا أعزف على آلتي، فتعلو دندنته الغليظة النشاز على صوت أنغامي.
أستغيث منه، وأصرخ في أذنه، وألطمه على وجهه، وأكسر القلم في عينه، وأقلب عليه دواة الحبر، لكنه ثقيل عنيد لا يفارقني، فألقي كل ما في يدي، وأترك له المكان، وأخرج إلى الخلاء لأشم الهواء، فإذا به يتسلل مع الهواء إلى أنفي!
وأخبط رأسي في جذع شجرة سميكة خشنة، حتى تسيل منه الدماء، لكنه لا يدعني؛ فليس هو ممن يرهبون منظر الدماء.
ورأيت الناس يسيرون اثنين اثنين، رجلا وامرأة، والتقت عيناي بعيني رجل يختلف عن الآخرين، قلت له: «أهو أنت؟» قال: «نعم.»
وسرنا جنبا إلى جنب، وعرجنا على طريق النيل، وهبت نسمة باردة ندية من صفحة الماء فشعرت بالبرد، وأحسست بيده في يدي، فنظرت إليه، كان قريبا مني ويقع على وجهه ضوء مصباح قريب، وتأملت وجهه، كان غريبا، لم يكن هو الوجه الذي رأيته من قبل، كانت عيناه صغيرتين حمراوين، وأنفه كبير الحجم، وشاربه الطويل يتدلى على حافة فمه.
ووقفت، وسحبت يدي من يده، وقلت له: «لنرجع، لقد أخطأت، إنك لست هو.»
وعدت إلى بيتي، وأغلقت باب حجرتي، وجلست على طرف الكرسي أضغط أصابع يدي في حيرة وقلق، وتلفت حولي كأنما أفتقد شيئا، آه! تذكرت ... الفراغ، أين هو؟!
অজানা পৃষ্ঠা