وقامت من جلستها ولبست رداءها الأسود، الذي تلبسه عند الخروج، وقالت لنفسها في ثورة: «حوديها لأمها، بلا وجع قلب! تشوفلها طريقة في بنتها، هو أنا حاقعد لهم! هو أنا ماعنديش قلب؟! أمال لو ماكنتش مدرسة قد الدنيا، ولها ماهية تغنيها عن أي راجل، كانت عملت إيه؟»
وكادت سوسن تجن من الفرح، وهي تمسك بيد دادة فاطمة، وتمشي في الشارع، وراحت تتلفت هنا وهناك، وتنظر في كل عربة خلفها علها تجد أمها. وأخيرا رأت دادة فاطمة تتوقف أمام بيت وتدق الجرس، وخفق قلبها الصغير حين فتح الباب، ورأت أمامها رجلا طويلا، هو نفس الرجل الذي تراه، يجلس بجوار أمها في العربة، وتكرهه، وتخاف منه، وتحس أنه بأنفه الطويل المقوس كالغراب الكبير، أو الحدأة التي خطفت ذات يوم كتكوتا من فوق السطح.
ووقف الرجل الطويل في فتحة الباب يسدها، والطفلة تنظر إليه وقد تراجعت إلى الوراء قليلا، ودادة فاطمة أيضا ربما شعرت بما شعرت به الطفلة، فوقفت كالتمثال لا هي تدخل ولا هي تعود من حيث أتت، ولو خيرت بين الاثنين لعادت من حيث أتت؛ فقد بدا لها الرجل غريبا عنها وعن الطفلة، والبيت ليس لها فيه مكان.
ونظرت إلى سوسن كأنها تستشيرها الرأي، لكن سوسن لم تتزحزح عن رأيها، ووقفت تنظر من الشق الصغير من الباب، الذي بقي دون أن يسده جسم العملاق الواقف أمامها، ووقفت تنظر من خلال ذلك الفلق علها ترى أمها، أو لعل أمها تراها فتأخذها إليها، لكن أمها لم تظهر، وسمعت صوت الرجل الأجش يقول: «روحية لسة ماجتش من المدرسة.»
وقالت دادة فاطمة في تخاذل: «طيب نستناها!»
ودخلت سوسن ووراءها دادة فاطمة، وفتح لهما الرجل حجرة الضيوف.
وجلست الطفلة تتلفت حولها في الحجرة، وتنظر إلى الصور المعلقة بالحائط، ورأت أمها في إحدى الصور، فقامت مسرعة إلى الصورة، وقالت: دادة، ماما أهه!
وضحكت سوسن في سعادة، وكأنها ترى أمها حقيقة، لكنها ما لبثت أن عادت منكسرة، بجوار دادة فاطمة، وقد تبينت أنها ليست صورة أمها وحدها، وإنما يقف إلى جوارها ذلك الرجل الطويل، الذي لا تعرف سر ظهوره فجأة في حياتهما.
وأخيرا سمعت صوت أمها في البيت، فقفزت من الفرح وجرت خارج الحجرة، وهي تصيح: «ماما جت يا دادة!»
وأحست سوسن بالدفء، الذي كانت تحسه كلما أخذتها أمها بين ذراعيها، ووضعت رأسها على صدر أمها، وراحت تربت بيديها الصغيرتين على ظهرها، ثم قبلت وجهها وخديها وشعرها ، وأدخلت أنفها الصغير في شعر أمها، وأخذت تشمه وتقبله.
অজানা পৃষ্ঠা