{ يا بنى إسرائيل } أى يا أولاد يعقوب، فإن إسرائيل لقب مدح له - عليه السلام - فإن معناه بالعبرانية، وتسمى أيضا العبرية صفوة الله، فإسرا هو صفوة، وإيل هو الله سبحانه وتعالى، وقيل معناه عبد الله، فإسرا بمعنى عبد وإيل بمعنى الله ، وهو المشهور. وهو أيضا لقب مدح إذا قصد باضافة العبد إلى الله جل وعلا التشريف، وقرئ إسرائيل بحذف الياء وإبقاء الهمزة، وإسرال بحذفهما، فلا حرف بين اللام والألف، وإسراييل بقلب الهمزة ياء فبين اللام والألف ياءان. وسمى الولد ابنا، قيل لأنه مبنى أبيه، ولذلك ينسب المصنوع إلى صانعه، يقال للكلمة بنت الشفة، ويقال للمسألة المستنبطة بنت فكر، ولمن مارس الحرب أو الحرب، فيضيفون الشىء إلى الصنعة، ولو لم يكن صانعا لها حقيقة، فإن الولد ولو كان مبناه الأب، لكن ليس أبوه صانعا له، وهكذا ما أشبهه. ويرده أن البناء لأمه بدليل بنى، والابن واوى اللام بدليل البنوة. { اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم } وهى التوراة، ومعرفة ما فيها مما لم يحرف، والرزق الواسع فى الشام وغيره، وصحة الأبدان، وإدراككم خاتم النبيين محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيرشدكم عما ضللتم فيه، وعما أضلكم من قبلكم فيه، وإنجاء آبائكم من فرعون وإغراقه. إذ لو ترككم فى أيدى القبط لكنتم مستعبدين بأيديهم إلى الآن إن لم يخلصكم منهم، وأنجاهم من الغرق والعفو عنهم، بعد اتخاذهم العجل إذ لو استأصلهم او أغرقهم لم توجدوا. ويحتمل أن يراد اذكروا نعمتى التى أنعمت على آبائكم، فحذف المضاف هى أنجاء آبائهم من فرعون والغرق، والعفو وتضليل الغمام، وإنزال المن السلوى، والإنعام على الاباء يستدعى الشكر، فإن فخر الآباء فخر الأبناء، فإن الإنسان يشرف بشرف آبائه، ويهان بإهانتهم ويعبر، وهذا واقع بين الناس معتاد، ويحتمل أن يكون فى الكلام حذف عاطف ومعطوف، أى عليكم وعلى آبائكم ويحتمل أن يكون الخطاب فى عليكم للحاضرين وآبائهم الموتى، تغليبا للحاضرين، وأما الخطاب فى قوله عز وعلا { اذكروا } وفى قوله { يا بنى إسرائيل } وفى قوله { وأوفوا.. } إلخ فهو للحاضرين فقط. وأعنى بالحاضرين الأحياء ولو غابوا. ومذهب الجمهور وابن عباس أن الخطاب فى ذلك كله لبنى إسرائيل، الذين فى مدة النبى صلى الله عليه وسلم، حين نزول الآية، وغيرهم يلتحق التحاقا. ومعنى ذكر النعمة ذكرها بالقلب، والتفكر فيها، والقيام بشكرها، وقد ذكرت نعم كثيرة ، فالنعمة فى الآية جنس لا واحدة، والنعمة منفعة مفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، وما ينتفع به الإنسان إنما يسمى نعمة من حيث إنها من الله بلا واسطة أو منه بواسطة، لا من حيث إنه انتفع به إلا بفرض نفسه، كأنها إنسان آخر كما يفرض الإنسان نفسه كذلك، فيخاطبها، والنعمة كلها من الله تعالى، لكن إما بلا واسطة، وإما بسبب طاعة، وإما بلا سبب طاعة، وقد فسر الله - عز وجل - النعمة المذكورة فى هذه الآية بقوله
يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين..
إلخ. وقوله
وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين
وقرئ { يا بنى إسرائيل اذكروا } بتشديد الذال وكسر الكاف، بوزن افتعلوا، قلبت التاء ذالا، وأدغمت الذال فى الدال. وعائد الموصول محذوف، أى التى أنعمتها عليكم. { وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم } إيتوا بما عاهدتمونى عليه من التوحيد، وأداء الفرائض، والإيمان بمحمد، وبما جاء به. آت بما عاهدتكم عليه، من الثواب على ذلك. فالعهد الأول مضاف إلى المفعول. والثانى كذلك، فإن هذا هو العادة فى الأمر بالوفاء بالعهد أن يضاف إلى المفعول، لأن كلا من المتعاهدين يطلب الآخر أن يفى له بما عاهده، كأنه يقول أوف لى بما عاهدتنى، ويجوز أن يكونا مضافين إلى الفاعل، أى إيتوا بما عاهدتك عيله أن تأتونى به من التوحيد وما بعده، آت بما عاهدتمونى عليه أن آتيكم به من الثواب، وأن يكون الأول مضافا إلى المفعول، والثانى إلى الفاعل، ويجوز العكس. فإن العهد يضاف إلى المعاهد، بكسر الهاء، والمعاهد، بفتحها، واختار القاضى الوجه الرابع. لأنه تعالى عهد إليهم بالإيمان والعمل الصالح، بنصب الدلائل وإنزال الكتب، وعهد لهم بالثواب على حسناتهم. واعلم أن الوفاء بالعهدين على مراتب فأول وفائنا بعهده تعالى الإتيان بكلمة الإخلاص، وآخره الاستغراق فى بحر التوحيد، والإعراض عما سوى الله جميعا. فيغفل الواحد منا عن كل شىء غير الله، حتى عن نفسه، فربما صادف أحدا ولا يحس بذلك، وربما صادف حائطا أو جبلا فانشق له، وكان له فيه طريق، ولا يحس بجرح أو خدش. كما إذا غفل الإنسان المستفرغ فى شغل فلا يحس بخدش أو جرح. وأول مراتب وفاء الله تعالى بعهدنا حقن الدم والذرية والمال. وآخرها إدخاله إيانا الجنة. وقوله يا أهل الجنة إنى راض عنكم ولا أسخط عليكم أبدا. وتفسير العهدين بما ذكرته من العموم هو الأصل وقد فسره غيرى بتفاسير تجرى مجرى التمثيل، وتعتبر فيها الوسائط، مثل قول ابن عباس أوفوا بعهدى فى اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، أوف بعهدكم فى رفع الأضرار والأغلال. رواه ابن جرير الطبرى فى تفسيره، الذى اختصره ابن هشام اللخمى بسند صحيح عندهم، ومثل ما روى عنه فيه بسند ضعيف. ورواه أيضا غيره عن ابن عباس أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر، أوف بالمغفرة والثواب.
ومثل ما قيل أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم، أوف بالكرامة والنعيم المقيم. وهكذا جمهور العلماء، يفسر للعهد الأول بجميع الأوامر والنواهى. وقال الشيخ هود العهد فى سورة المائدة فى قوله تعالى
ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا
إلى قوله
الأنهار
فدخلو الجنة عهد من الله لهم، وأخذ الميثاق عهد منهم لله. وقال الكلبى كان الله قد عهد إلى بنى إسرائيل، على لسان موسى وأنبياء بنى إسرائيل، إنى باعث من بنى إسماعيل نبيا أمينا، فمن اتبعه وصدق به، وآمن بالنور الذى أنزل عليه، أغفر له وأدخله الجنة، وأجعل له أجرين اثنين أجرا باتباعه ما جاء به موسى وأنبياء بنى إسرائيل، وأجرا آخر بإيمانه بالنبى الأمى. فلما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بما يعرفون، ذكرهم الله عهده فقال لهم { أوفوا بعهدى } فى هذا النبى، { أوف بعهدكم } الذى عهدته لكم من إدخال الجنة وإيتاء أجرين. قال الله عز وجل
অজানা পৃষ্ঠা