فقطع كلامها وقال: «لا شكر على واجب، فإني أبوك، وسأخبر الخدم ليعدوا لنا خياما وطعاما ويسيروا أمامنا إلى العقيق قبل الفجر، ثم نركب أنا وأنت عند طلوع الشمس ونقضي يومنا في العقيق، فقد مللنا المدينة وأسواقها ونخيلها.» قال ذلك بنغمة الأب الحنون، فلم يسع سمية إلا مجاراته، على أنها كانت أشد حاجة منه إلى النزهة، وخطر لها أنها ربما استطاعت في أثناء مرورها بالشوارع والطرق أن ترى عبد الله أو تسمع خبرا عنه أو عن حسن، فأثنت على أبيها وقبلت يده، فقبلها ثم صفق فجاء عبد أسود كان قد فوض إليه إدارة شئون منزله وجعله رقيبا على أهل بيته، وكان ذلك العبد قبيح الخلقة عظيم الشفة السفلى أفطس الأنف يكاد الشرر يتطاير من عينيه، ويندر أن يبتسم فإذا فعل فإنه يكشر عن أنيابه. فلما وقف بين يديه قال له: «يا قنبر، إننا عازمون على الخروج في صباح الغد إلى العقيق فأعد ما نحتاج إليه من الخيام والأطعمة، وهيئ الهودج لسمية، ثم اسبقنا مع الخدم عند الفجر، وسنلحق بكم بعد ذلك.»
قال: «الأمر لمولاي.» وخرج.
ثم نهض عرفجة ودخل الحجرة السرية، واتجهت سمية إلى غرفتها وطلبت جاريتها أمة الله أن تتهيأ لمرافقتها في صباح الغد. •••
باتت سمية ليلتها والأحلام المزعجة تنتابها، وتريها حسنا في خطر، ورأت مناظر مخيفة أخرى، فنهضت وهي في اضطراب شديد. فإذا أبوها قد خرج وتهيأ للرحيل، وجاءتها الجارية فمشطتها وألبستها ثيابها، ثم ركبت معها الهودج، وركب أبوها بغلة، وساروا وقد أمسك بخطام الجمل أحد الخدم.
وجعلت سمية تطل من خلال الستور على المارة في الطرق وتتفرس فيهم، فاستغربت أمة الله ذلك منها لعلمها بأدبها وحشمتها، وزاد في استغرابها شدة ما لاحظت في وجهها من القلق. فلما خرجوا من باب المدينة بالغت سمية في التطلع نحو الطريق الذي يؤدي إلى مكة لعلها ترى أثرا أو تستطلع خبرا، فرأت بجانب باب المدينة خياما ورايات وخيولا وجمالا، وقد تفرق العبيد بين النخيل وحول المستنقعات يجمعون العيدان للوقود، فذهلت ولم تفهم أمر هذا المعسكر، ولم تر بدا من أن تسأل أباها فأخرجت رأسها من بين الستور لتبحث عنه فإذا هو قد أركض بغلته نحو المعسكر ، فظنت أنه ذهب لاستطلاع الخبر، فأمرت الغلام أن يظل في مسيره فسار حتى بعدوا عن المعسكر وسمية تشرف على الطرق وتتطلع إلى كل جهة والقلق باد في عينيها.
وفيما هي تتطلع سمعت جعجعة جمل يتألم فالتفتت فرأت جمل حسن الذي ذكرنا أمره ولم تكن قد رأته إلا في أثناء مقابلتها حسنا في المساء، ولكن صورته انطبعت في ذهنها. فلما رأته خفق قلبها كأنها تنسمت منه رائحة الحبيب، فأوقفت الهودج عنده ونظرت فرجحت أنه جمل حسن وجعلت تفكر في الأمر، فخيل إليها أن حسنا قتل وقد أخذ قاتلوه رحل الجمل وخطامه وتركوه. فلما تصورت ذلك تساقطت دموعها وخفق قلبها جزعا وإشفاقا.
وكانت أمة الله تلاحظ سيدتها ولكنها لم تجرؤ على مخاطبتها في هذا الشأن إلا لما رأت دموعها تتساقط، فقالت لها بصوتها الناعم الرخيم: «ما بالك يا سيدتي تبكين، لا أراك الله سوءا؟»
فلما سمعت سمية سؤال الجارية أجهشت في البكاء حتى علا صوتها، فأمسكتها أمة الله وقبلت يدها وقالت لها: «بالله كفي عن البكاء وأخبريني ما سبب ذلك فلعلي أنفعك في شيء.»
فتنهدت سمية ومسحت دموعها بكمها، ثم التفتت إلى خارج الهودج فلم تجد أباها عاد، ولا رأت أحدا يسمعها، فقصت على جاريتها الحديث مختصرا، وأطلعتها على مكنون قلبها. فشاركتها الجارية البكاء ثم قالت لها: «إنك لم تتحققي أن هذا الجمل جمل حسن، وهبي أنه جمله فليس معنى هذا أنه أصيب بسوء، ولا أحسب هذا الجمل إلا لبعض أهل هذا المعسكر انكسر فتركوه، ومهما يكن من شيء فليس هناك ما يدعو إلى الأخذ بالظن والتوهم.»
فارتاحت سمية لهذا التعليل، ولكنها تذكرت عبد الله ورجوعه إلى منزلها في تلك الليلة فقالت: «ولكن ما سبب رجوع خادمه إلينا؟»
অজানা পৃষ্ঠা