قال حسن: «كيف لا أرضى بذلك وفيه راحتي وحسن حظي!»
قال: «أين نلتقي؟»
قال حسن: «نلتقي بباب المدينة المؤدي إلى مكة ونخرج من هناك معا.»
قال: «وهل تعرف الطريق إلى الباب؟»
قال: «نعم أعرفه، فإنه على مقربة من حانوت النبال الذي اشتريت هذه النبال منه اليوم.»
ولما ذكر النبال تذكر القباء فبغت وقال: «لقد نسيت عنده القباء، وأخاف إذا أردت الذهاب إليه أن تفوت الفرصة لمشاهدة ليلى.»
فابتدره سليمان قائلا: «دع هذا لي، فأنا أمر بالنبال وآخذ القباء منه وأحفظه لك إلى الملتقى.»
فشكره حسن وودعه، وخرجا فسار كل في طريقه. •••
وكانت سمية جالسة في ساحة بيتها حين قرع حسن الباب، فدق قلبها وحدثتها نفسها بأن الطارق حبيبها، ثم استبعدت ذلك، فعاودها الحزن، ونهضت لكي تحتجب عن الطارق، فانزوت في أقرب غرفة إلى الباب وفي نفسها ميل إلى معرفة الطارق؛ لأن طريقة دقه الباب لم تكن تشبه دقات زوارهم المعروفين، وكثيرا ما تدل الدقة على صاحبها ويعلم أهل البيت من هو صديقهم من قرعة الباب. هذا إلى أن عرفجة كان من أكثر الآباء تضييقا على بناتهم في أمر الحجاب؛ فكان ذلك يدعو سمية إلى التطلع إلى القادمين من شقوق النوافذ أو ثقوب الأبواب.
واتفق في ذلك الصباح أنه لم يكن في البيت أحد من الرجال غير عرفجة وكان مشغولا في حجرة خاصة لا يدخلها أحد غيره، وفيها محفة من خشب مقفلة لا يفتحها سواه، فإذا دخل تلك الحجرة أقفل بابها ولا يدري أهل البيت ماذا يفعل هناك، فيقضي فيها ساعة أو بعض الساعة ثم يخرج ويقفل الباب وراءه. وكثيرا ما أحبت سمية استطلاع أمر تلك المحفة ومشاهدة ما في داخلها فلم توفق إلى ذلك؛ لأن المحفة من خشب متين لا منافذ للمبصر فيه. فلما قرع حسن الباب كان عرفجة هناك فأبطأ في فتح الباب كما تقدم. ثم سمعته بعد أن فتحه وهو يخاطب حسنا ويرحب به، وكانت تنظر من ثقب في باب غرفتها يطل على حجرة أبيها، فوقع بصرها على حسن وهو يخلع حذاءه بباب الحجرة، وهي أول مرة رأته فيها بعد ذلك الغياب الطويل، فلم تكد تتحققه حتى شعرت بهزة قوية وخفق قلبها خفوقا شديدا، ولكنها ظنت نفسها مخطئة، فتفرست فيه جيدا فإذا هو حسن بعينه، ورأت أباها يخاطبه ويرحب به وقد فهمت ذلك من إشاراته وملامحه؛ لأنها لم تكن تفهم الكلام لبعد المسافة، ثم دخلا وأقفلا الباب، فأرسلت جارية لها تتسمع حديثهما وتعود إليها بما سمعته. والجواري أكثر الناس رغبة في نقل الأحاديث وبخاصة إذا كانت من هذا القبيل، فكانت تلك الجارية تتظاهر بخروجها لغرض تريده من البستان أو الباحة فتقف هناك بحيث تسمع ما يدور وربما سمعت بعضه فتكمل الحديث من عندها وتعود إلى سمية به، فأطلعت سمية بذلك على ما دار بينهما حرفيا، وساءها رفض أبيها أن يجمعها بحسن ولو من وراء حجاب، ولكنها سرت برؤيته واطمأنت إلى أنه ما زال على حبها. ولما أخبرتها الجارية أنه جاء يطلبها من أبيها زاد اضطرابها واصطكت ركبتاها ولم تعد تستطيع الوقوف فثنت وسادة كانت بجانبها وجلست عليها وعيناها على شق الباب. على أنها ما لبثت أن علمت أنه غير الحديث واعتزم الخروج من المدينة في تلك الليلة، وأن أباها حبب إليه الإسراع في ذلك وأعطاه القباء، فاستغربت إعطاءه إياه، مع ما تعلم من بخله، على أن ذلك أكد لها رضاءه عن تلك الخطبة؛ فانبسطت نفسها، وتعللت بقرب اللقاء بعد الرجوع من مكة.
অজানা পৃষ্ঠা