فلما سمعه حسن يذكر سمية، عز عليه أن يحتقره ذلك العبد ويهزأ به، فهاج غضبه واستغرب سكوت سائر الفرسان عن وقاحته، ولكنه أمسك نفسه وقال له: «لولا خوفي أن يقال لطخت حسامي بدم عبد لئيم لأطرت رأسك عن جذعك، ولكنني أرجو أن يكون ذلك نصيب مولاك الخائن، فاخرس ولا تخاطبني وإلا فأنت الجاني على نفسك.»
فلم يزدد قنبر إلا قحة واستخفافا، واقترب من حسن ويده على قبضة سيفه وقال: «ألمثلي تقول هذا الكلام يا حسن ثم تعرض بذكر مولاي! والله إني ضاربك ضربة أعلمك بها الأدب والحشمة.» قال ذلك وهم باستلال السيف، فعيل صبر حسن لقحة ذلك العبد وسكوت بقية الفرسان، فجرد حسامه وتلقاه بضربة على عنقه فذهب رأسه يتدحرج على الأحجار.
فلما رأى الفرسان ذلك صاحوا فيه: «لقد حل لنا دمك بعد هذه الجرأة، كيف تقتل هذا الرجل بين أيدينا؟!»
فلم يبال حسن ضوضاءهم وقال لهم: «أتعدون هذا رجلا؟ إن من يعده رجلا لجدير بأن ينال ما ناله، ثم إني رأيتكم سكتم عن قحته فلم يسعني إلا قتله، وقد قلت لكم إني لا أبالي الموت فلا تخوفوني به.» قال ذلك والشرر يكاد يتطاير من عينيه، وظل واقفا وسيفه يقطر من دم قنبر وقد اشتفى قلبه بقتله ويئس من الحياة؛ لأنه لم يكن يتوقع من هؤلاء الفرسان إلا الفتك به، فعزم على الدفاع إلى آخر نسمة من حياته، فإذا مات مات كريما.
على أنه ما لبث أن رأى الفرسان يتسارون، ثم تقدم أحدهم وترجل عن فرسه وقدمه له قائلا: «هذا جوادي فاركبه حتى تأتي المعسكر وشأنك والأمير، وسأركب أنا جملك.»
فلما سمع صوت الفارس عرف أنه خادمه عبد الله، فاستأنس به، وأدرك أنه هو الذي حملهم على الإبقاء عليه. فركب الجواد، وساروا جميعا نحو المعسكر.
وكان السبب في معرفة مكان حسن أن عرفجة لما خرجت ليلى من عنده ولم تطلعه على مقره بعث عبده للبحث عنه في المعسكر، فقضى هذا طول الليل في البحث، وفي الصباح رأى هجانا قادما إلى المعسكر من ناحية تلك الخربة، فلم يعرف الهجان ولكنه شك في أمره، فذهب يبحث في المكان الذي رآه قادما منه، وهناك وقع بصره على حسن وجمله فأسرع إلى سيده فأنبأه بما رأى، فأوعز هذا إلى الحجاج فأرسل كوكبة من الفرسان للقبض على الجاسوس الهارب.
وكان عبد الله قد عاد إلى موقفه مع الحراس، فلما علم بالأمر احتال حتى ألحق بأولئك الفرسان، لعله يستطيع مساعدة سيده، وبذل جهده حتى أبقوا عليه بعد أن قام بقتل قنبر، رغم ما له من منزلة رفيعة عند الحجاج مراعاة لسيده، ولأنه ينفع في مثل هذه المهام.
وقد ساعد عبد الله في بلوغ غايته أن الجند لم يكونوا يحبون قنبر لفرط استبداده وقحته - واستبداد العبيد ثقيل على الطباع - فلما قتله حسن فرحوا فيما بينهم وبين أنفسهم، وإن أظهروا الغضب.
وبعد أن أرسل عرفجة الفرسان دخل على الحجاج في خيمته، وجلسا ينتظران ما يكون، وأخذ عرفجة يمهد للفتك بحسن، فأقنع الحجاج بأنه جاسوس وبأنه إذا بقي حيا فلا يؤمن شره. وما كان الحجاج في حاجة إلى من يوصيه بالقتل، وهو بطبعه شديد الرغبة في سفك الدماء.
অজানা পৃষ্ঠা