ثم دخلتا الخباء، ومكثت سمية مطرقة مستغرقة في الهواجس وهي مرهفة سمعها فإذا هب النسيم ظنت حسنا قادما فيضطرب قلبها. وخرجت ليلى إلى خباء هند وهي تكتم ما في نفسها لعلها تستطلع شيئا جديدا.
أما سمية فنادت أمة الله وكانت أنيستها في وحشتها وعزاءها في أحزانها والمطلعة على مكنونات قلبها. فلما نادتها لم تسمع جوابها ولا جاءتها فأعادت الصوت فلم يجبها أحد، فاستعاذت بالله من تلك الليلة، وخرجت إلى حيث تتوقع أن تراها فرأت في الظلام شبحين عرفت منهما أمة الله، ورأت الثاني بلباس الرجال فخفق قلبها وتوقعت أن يكون حبيبها فلم تعد تصبر عن المناداة فقالت: «أمة الله؟»
فقالت: «لبيك يا مولاتي إني قادمة على عجل.» قالت ذلك وظلت واقفة مع الرجل، فقلقت سمية ولم تعد تستطيع صبرا، وهمت بالمسير نحوهما فرأتهما قادمين فتقهقرت حتى وقفت بباب الخباء ووسعت حتى يقع نور السراج على وجه القادم مع أمة الله فتعرفه، ولكنه ظل واقفا على بضع خطوات من الخباء، ثم تبينت أنه بلباس حرس الحجاج، فتشاءمت منه ودخلت الخباء مسرعة وأمة الله في أثرها. وكانت أمة الله قد أدركت اضطراب سيدتها من منظر الرجل فابتدرتها قائلة: «لا تخافي يا مولاتي إن الرجل رسول خير.»
قالت: «ممن؟»
قالت وقد خفضت صوتها: «من حسن.»
فبدت البغتة في وجهها وقالت: «ليدخل.»
فخرجت أمة الله وعادت والرجل معها وعليه لباس الحرس. ولم تكن ملابس الجند قد تميزت يومئذ عن ملابس سائر الناس تمييزا تاما، غير أن حرس الأمراء الأمويين كان لهم لباس خاص بهم، اقتبسه معاوية من الروم مع علامات خاصة، فوقفت سمية لاستقبال الرجل وركبتاها تصطكان لعظم اضطرابها من منظره.
أما هو فلما دخل حياها باحترام وقال لها بصوت منخفض: «لا يزعجك أمري يا مولاتي ولا يخيفك هذا اللباس، فإني خادم لك ولمولاي حسن.»
فلما سمعت صوته تفرست في وجهه فعرفت أنه عبد الله خادم حسن فصاحت فيه: «أنت عبد الله؟»
قال: «نعم يا مولاتي إني خادمك عبد الله.»
অজানা পৃষ্ঠা